أجابوا ، فتأمّل ، على أنّه لو كان حاكمان في فرسخين ففي غاية الندرة ، والأخبار واردة على الفروض الشائعة المتعارفة ، كما هو محقّق ومسلّم.
وأمّا ما ورد من اشتراط الفاصلة بفرسخ ، فليس المراد خصوص الفرسخ بحيث لو زاد عنه لم يصحّ ، للقطع بصحّة ما زاد أيضا.
بل المراد أنّ أقلّها فرسخ ، فيشمل جميع صور الفاصلة الشرعيّة سواء كانت الأفراد الشائعة وغيرها ، كما هو الحال في أحاديث العدد بأنّه خمسة أو سبعة (١) ، وإن كانت الجمعة التي تكون عددها خمسة أو سبعة من غير زيادة من الأفراد النادرة إلى حدّ لم نر إلى الآن فردا منها أصلا ، ولعلّه لم يره غيرنا أيضا ، وهذا لا يقتضي ورود تلك الأخبار مورد النادر بالبديهة.
على أنّا نسلّم تحقّق حاكمين في فرسخين كثيرا ، ونقول : ليس مقتضى الأخبار سوى وجوب حضور الجمعة الشرعيّة ، متى تحقّقت ـ أيّ جمعة تكون ـ فوجوب حضورها عينيّ ، والتخيير إنّما هو في اختيار فرد من أفراد الكلّي لإيجاد الكلّي في ضمنه ، كاختيار عتق المملوك الرومي أو الزنجي لامتثال الأمر بعتق رقبة ، وكذا الحال في جميع التكاليف ، إذ كلّ فرد من التكليف إنّما هو بالكلّي ، والتكليف بالجزئي الحقيقي منتف قطعا ، وإيجاد الكلّي لا يكون إلّا باختيار فرد منه ، وليس هذا وجوبا تخييريّا بالبديهة ، وعند المصنّف وموافقيه تكون (٢) هذه الإيجابات الظاهرة في الوجوب العيني ـ كما هو ظاهر ومسلّم عندهم ، بل ويستدلون بها على عينيّة وجوب صلاة الجمعة من دون اشتراط إذن خاصّ ـ وجوبا تخييريّا في الغالب ، لندرة خلوّ جميع أطراف الجمعة عمّن يمكنه الجماعة
__________________
(١) لاحظ! وسائل الشيعة : ٧ / ٣٠٣ الباب ٢ من أبواب صلاة الجمعة.
(٢) في (د ١) و (ز ٣) : تصير.