والحاصل ، أنّ هذه في غاية الوضوح في أنّ قصد الإقامة يصير بقدر عشر ، ويصير بقدر خمس أيضا إن كان «ذلك» إشارة إلى الخمس ، وأبو أيّوب فهم هكذا ، وعلم أنّ قصد الإقامة أمر يتفاوت كثرة وقلّة ، ولذا سأل ما سأل ، ولو فهم أنّ المعصوم عليهالسلام رجع عمّا ذكره أوّلا وبنى على كونه خطأ لا أصل له ، وأنّ المتعيّن هو الخمس لا غير وأنّه الحقّ ، فكيف كان يسأله يكون أقلّ من خمس؟
مع أنّ ابن مسلم هذا روى عنه عليهالسلام بطريق صحيح : أنّ المسافر يقدم الأرض ، فقال : «إن حدّث نفسه أن يقيم عشرا فليتمّ ، ولا يتمّ في أقلّ من عشرة إلّا بمكّة والمدينة ، وإن أقام بمكّة والمدينة خمسا فليتمّ» (١).
فظهر من اتّحاد الراوي والحكم والواقعة ، بل اتّحاد متن الرواية أيضا ـ وهو قول : «إن حدّث نفسه بإقامة عشرة أيّام» ـ اتّحاد الروايتين ، سيّما بملاحظة أنّه لم يعهد التعبير عن قصد الإقامة بحديث النفس في غير هذه الرواية.
فظهر أنّ المراد إقامة الخمس أيّام في خصوص مكّة والمدينة. وصرّح بذلك الشهيد رحمهالله في «الدروس» (٢) ، وغيره من الفقهاء ، ومنهم المصنّف في «الوافي» (٣) ، مع أنّه على فرض دلالتها على رأي ابن الجنيد تصير شاذّة مخالفة للإجماع ، والأخبار الكثيرة المفتى بها المشتهرة بين الأصحاب ، مع أنّها ليست كذلك ، بل ظاهرة في خلاف ذلك ، والأخبار الكثيرة قد أشرنا إليها في الجملة فيما سبق.
وممّا ذكر ظهر فساد حمل هذه الرواية على الاستحباب على ما فعله بعض الفقهاء ، بأنّ قصد إقامة العشرة موجب للإتمام ، وإقامة الخمسة يستحب به
__________________
(١) تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٢٠ الحديث ٥٤٩ ، الاستبصار : ١ / ٢٣٨ الحديث ٨٥٠ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٥٠٢ الحديث ١١٢٩٠.
(٢) الدروس الشرعيّة : ١ / ٢١٢.
(٣) الوافي : ٧ / ١٥٠ ذيل الحديث ٥٦٥٣.