مبرئة للذمّة على سبيل اليقين (١) ، كما هو يقين أنّها كانت كذلك عندهم ، وأمّا الجمعة ، فلم تكن مبرئة على اليقين ، بل على الظنّ لظهور الرخصة والاستحباب من أخبار الآحاد (٢).
ولذا من أنكر حجيّة خبر الواحد لم يقل بالاستحباب ، بل وصرّح بعضهم بذلك (٣) ، بل لا شكّ في أنّ الأمر كان كذلك ، وأنّ من يقول بالاستحباب كان يقول بأنّه يظهر من الأخبار كذا وكذا ، فإنّ الصدوق والشيخين ومن تابعهم كانوا يقولون بحجيّة خبر الواحد (٤) ، فمن ثمّ قالوا بالاستحباب.
ولا شكّ في أنّهم في مقام تحصيل البراءة عن شغل الذمّة اليقيني كانوا يقدّمون اليقين على الظنّ ، كما هو شأن غيرهم من الفقهاء ، وهو الحقّ عقلا ونقلا ، مثل قوله صلىاللهعليهوآله : «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك» (٥) وغير ذلك ، ومسلّم عند الفقهاء ، مع أنّ تيسّر اليقين لا يجوز العمل بالظنّ إلّا في موضع تحصيل اليقين من الشرع بالاكتفاء بالظنّ.
ومع ذلك الأولى عندهم في ذلك الموضع أيضا العمل باليقين ، كما حقّق وأشرنا مكرّرا ، فعلى هذا لم يكن لهم الداعي إلى الاجتماع وإتيان الجمعة مع شرائطها الكثيرة التي لا بدّ من معرفتها وتحصيلها مع كثرتها ، وربّما يصعب تحصيل بعضها.
مع أنّ العدول عنها إلى الظهر كان أحسن عندهم لو لم يكن لازما ، سيّما في
__________________
(١) السرائر : ١ / ٣٠٣ ، الحدائق الناضرة : ٩ / ٤٣٦.
(٢) انظر! وسائل الشيعة : ٧ / ٣٠٩ الباب ٥ من أبواب صلاة الجمعة وآدابها.
(٣) رسائل الشريف المرتضى : ١ / ٢٧٢ ، السرائر : ١ / ٣٠٣ ، منتهى المطلب : ٥ / ٤٦٠.
(٤) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٣ ، مصنّفات الشيخ المفيد (أوائل المقالات) : ٤ / ١٢٢ ، الاستبصار : ١ / ٤.
(٥) وسائل الشيعة : ٢٧ / ١٦٧ الحديث ٣٣٥٠٦.