أيها الثقلان تكذبان ، فإثابته المحسن منكم بما وصف ، وعقابه العاصي بما عاقب من النعم العظمى ، والمنن الكبرى.
(ذَواتا أَفْنانٍ. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) أي ذواتا أنواع وألوان من الأشجار والثمار من قولهم «افتن فلان فى حديثه إذا أخذ فى فنون منه وضروب مختلفة ، والمتنوقون فى الدنيا يتنقلون من فاكهة إلى أخرى فيكون ذلك أدعى إلى زيادة اللذة ، وأكثر شهوة للطعام ، كما قال قائلهم :
ومن كل أفنان اللذاذة والصّبا |
|
لهوت به والعيش أخضر ناضر |
(فِيهِما عَيْنانِ تَجْرِيانِ. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) أي فيهما عينان تسرحان وتسقيان تلك الأشجار والأغصان ، إحداهما يقال لها التسنيم ، والأخرى السلسبيل قاله الحسن البصري. وقال أبو بكر الوراق : تجريان لمن كانت عيناه فى الدنيا تجريان من مخافة الله عز وجل ، فتجريان فى كل مكان شاء صاحبهما وإن علا مكانه ، كما تصعد المياه فى الأشجار فى كل غصن منها وإن زاد علوها.
(فِيهِما مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ زَوْجانِ. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) أي فيهما من كل فاكهة صنفان : رطب ويابس ، لا ينقص أحدهما عن الآخر لذة وطيبا ، بخلاف ثمار الدنيا فإن الطازج فيها ألذ طعما وأشهى مأكلا.
وبعد أن ذكر طعامهم ذكر فراشهم فقال :
(مُتَّكِئِينَ عَلى فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ) أي مضطجعين على فرش بطائنها من الديباج الغليظ ، وإذا كانت هذه حال البطائن فما ظنكم بالظهائر؟ ومن ثم روى عن ابن مسعود أنه قال : أخبرتم بالبطائن ، فكيف لو أخبرتم بالظهائر؟ وقيل لسعيد بن جبير : البطائن من إستبرق فما الظواهر؟ قال : هذا مما قال الله فيه «فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ» وبمثله قال ابن عباس.