الأجزاء من الاسطقسات التي إليها انحلت هذه. فان اتفق أن تختلط تلك الأجزاء اختلاطا يكون عنه انسان ، عاد فصار هيئة في انسان؛ وان اتفق أن تختلط اختلاطا يكون عنه نوع آخر من الحيوان أو غير الحيوان ، عاد صورة لذلك الشيء. وهؤلاء هم الهالكون والصائرون إلى العدم ، على مثال ما يكون عليه البهائم والسباع والأفاعي (١).
وأما أهل المدينة الفاسقة ، فان الهيئات النفسانية التي اكتسبوها من الآراء الفاضلة ، فهي تخلص أنفسهم من المادة ، والهيئات النفسانية الرديئة التي اكتسبوها من الأفعال الرذيلة ، فتقترن إلى الهيئات الأولى ، فتكدر الأولى وتضادها؛ فيلحق النفس من مضاده هذه لتلك أذى عظيم ، وتضاد تلك الهيئات هذه ، فيلحق هذه من تلك أيضا أذى عظيم. فيجتمع من هذين أذيان عظيمان للنفس. وان هذه الهيئات المستفادة من أفعال الجاهلة هي بالحقيقة يتبعها أذى عظيم في الجزء الناطق من النفس. وانما صار الجزء الناطق لا يشعر بأذى هذه لتشاغله بما تورد عليه الحواسّ. فإذا انفرد دون الحواس ، شعر بما يتبع هذه الهيئات من الأذى ، ويخلصها من المادة ، ويفرّدها عن الحواس وعن جميع الأشياء الواردة عليها من خارج (٢).
كما أن الانسان المغتم ، متى أورد الحواس عليه ما يشغله ، لم يتأذ بما يغمه ولم يشعر به ، حتى إذا انفرد دون الحواس ، عاد الأذى
_________________
١) أهل المدن الجاهلة يهلكون ويصيرون إلى العدم مثل البهائم والأفاعي.
٢) نفوس أهل المدن الفاسقة تتألم من الأفعال الرديئة ، ولكنها تتخلص من المادة بفضل الآراء الفاضلة التي اكتسبتها.