الباب السابع والثلاثون
القول في المدن الجاهلة
المدن الجاهلة ، منها الضرورية ، ومنها المبدّلة ، ومنها الساقطة ، ومنها الكرامية ، ومنها الجماعية ، وتلك الأخرى ، سوى الجماعية ، إنما همّة أهلها جنس واحد من الغايات. وأما الجماعية فذات همم كثيرة : قد اجتمع فيها همم جميع المدن. فالغلبة والمدافعة التي تضطر إليها المدن المسالمة ، إما أن تكون في جماعتهم ، وإما أن تكون في طائفة بعينيها ، حتى يكون أهل المدينة طائفتين : طائفة فيها القوة على المغالبة والمدافعة ، وطائفة ليس فيها ذلك. فبهذه الأشياء يستديمون الخيرات التي هي لهم. وهذه الطائفة ، من أهل الجاهلة ، هي سليمة النفوس ، وتلك الأولى رديئة النفوس لأنها ترى المغالبة هي الخير ، وذلك بوجهين : مجاهدة ومخاتلة. فمن قدر منهم على المجاهدة فعل ذلك ، وان لم يقدر فبالدغل والغش والمراياة والتمويه والمغالطة (١).
_________________
١) السعادة تقوم بالمغالبة أو بالمخاتلة.