أن يقهر ما اتفق منها. والمقهور إما أن يقهر على سلامة بدنه ، أو هلك وتلف ، وانفرد القاهر بالوجود؛ أو قهر على كرامته وبقي ذليلا ومستعبدا ، تستعبده الطائفة القاهرة ويفعل ما هو الأنفع للقاهر في أن ينال به الخير الذي عليه غالب ويستديم به. فاستعباد القاهر للمقهور هو أيضا من العدل. وأن يفعل المقهور ما هو الأنفع للقاهر هو أيضا عدل. فهذه كلها هو العدل الطبيعي ، وهي الفضيلة. وهذه الأفعال هي الأفعال الفاضلة فإذا حصلت الخيرات للطائفة القاهرة فينبغي أن يعطى من هو أعظم غناء في الغلبة على تلك الخيرات من تلك الخيرات أكثر ، والأقل غناء فيها أقلّ. وان كانت الخيرات التي غلبوا عليها كرامة ، أعطي الأعظم غناء فيه كرامة أكبر ، وان كانت أموالا أعطي أكثر. وكذلك في سائرها. فهذا هو أيضا عدل عندهم طبيعي (١).
قالوا : وأما سائر ما يسمّى عدلا ، مثل ما في البيع والشراء ، ومثل ردّ الودائع ، ومثل أن لا يغضب ولا يجور ، وأشباه ذلك ، فان مستعمله انما يستعمله أولا لأجل الخوف والضعف وعند الضرورة الواردة من خارج.
وذلك أن يكون كل واحد منهما كأنهما نفسان أو طائفتان مساوية (إحداهما) في قوتها للأخرى ، وكانا يتداولان القهر. فيطول ذلك بينهما؛ فيذوق كل واحد الأمرين ، ويصير إلى حال لا يحتملها ، فحينئذ يجتمعان ويتناصفان ، ويترك كل واحد منهما للآخر مما كانا يتغالبان عليه قسطا ما؛ فتبقى سماته ، ويشرط كل واحد منهما على
_________________
١) علاقات الأمم تقوم على التغالب والقهر.