وآخرون ، لما شاهدوا من أحوال الموجودات الطبيعية تلك التي اختصصناها أولا ، من أنها توجد موجودات مختلفة متضادة ، وتوجد حينا ولا توجد حينا ، وسائر ما قلنا ، رأوا أن الموجودات ، التي هي الآن محسوسة أو معقولة ، ليست لها جواهر محدودة ، ولا لشيء منها طبيعة تخصه ، حتى يكون جوهره هو تلك الطبيعة وحدها فقط ، ولا يكون غيرها ، بل كل واحد منها جوهره أشياء غير متناهية (١) ، مثل الانسان مثلا؛ فان المفهوم من هذا اللفظ شيء غير محدود الجوهر ، ولكن جوهره وما يفهم منه أشياء لا نهاية لها. غير أن ما أحسسناه الآن من جوهره هو هذا المحسوس ، والذي عقلنا منه هو هذا الذي نزعم أن نعقله منه اليوم. وقد يجوز أن يكون ذلك شيئا آخر ، غير هذا المعقول وغير هذا المحسوس. وكذلك في كل شيء هو الآن ليس هو موجودا ، فان جوهره ليس هو هذا المعقول من لفظه فقط ، لكنه هذا وشيء آخر غيره مما لم نحسه ولم نعقله ، مما لو جعل ذلك مكان هذا الذي هو الآن موجود لأحسسناه أو لعقلناه. ولكن الذي حصل موجودا هو هذا؛ فان لم يقل قائل إن الطبيعة طبيعة المفهوم من كل لفظ ، ليس هو هذا المعقول الآن ، لكنه أشياء أخر غير متناهية ، بل قال إنه هذا ويجوز أن يكون غير هذا مما لم نعقله ، فلا فرق في ذلك؛ فان الذي يجوز ويمكن إذا وضع موجودا لم يلزم منه محال. وكذلك في كل ما عندنا أنه لا يجوز غيره أو لم يمكن غيره ، وقد يجوز أن يكون غيره ، وأنه ليس الذي تلزم ضرورة عن تضعيف ثلاثة ثلاث
_________________
١) مذهب الشك.