والتباين والتنافر يكون بهذا ، فرأوا لذلك ابطالها كلها. وقوم رأوا ذلك في الشهوة والغضب وما جانسهما ، وان الفضيلة والكمال ابطالهما (١) وقوم رأوا ذلك في عوارض غير هذه ، مثل الغيرة والشح وأشباههما؛ ولذلك رأى قوم أن الذي يفيد الوجود الطبيعي غير الذي يفيد الوجود الذي لهما الآن؛ ثم إن السبب الذي عنه وجدت الشهوة والغضب وسائر عوارض النفس ، مضاد للذي أفاد الجزء الناطق. فجعل بعضهم أسباب ذلك تضاد الفاعلين ، مثل أنبدقليس. وبعضهم جعل سبب ذلك تضاد المواد ، مثل فرمانيدس في آرائه الظاهرة ، وغيره من الطبيعيين (٢).
وغير هذه الآراء ، يتفرع ما يحكى عن كثير من القدماء : «مت بالارادة تحي بالطبيعة». فانهم يرون أن الموت موتان : موت طبيعي وموت إرادي. ويعنون بالموت الارادي ابطال عوارض النفس من الشهوة والغضب؛ وبالموت الطبيعي مفارقة النفس الجسد. ويعنون بالحياة الطبيعية الكمال والسعادة. وهذا على رأي من رأى أن عوارض النفس من الشهوة والغضب قسر في الانسان.
والتي ذكرناها من آراء القدماء فاسدة ، تفرعت منها آراء انبثت منها ملل في كثير من المدن الضالة.
_________________
١) تنال السعادة بإماتة عوارض النفس من شهوة وغضب.
٢) رأي أنبدقليس ورأي برمنيدس فاسدان. أنبدقليس (٤٩٠ ـ ٤٣٠ ق م) فيلسوف يوناني قال بمبادىء أربعة للعالم هي الماء والهواء والنار والتراب وأنها تجتمع وتفترق بفعل قوتين هما المحبة والكراهية فتتكون الأجسام وتفسد.
أما برمنيدس (٥٤٠ ـ؟ ق م) فهو فيلسوف يوناني عرف بقوله بوحدة الوجود وعدم التكثر.