وعلى الرأيين جميعا ، يرون ابطال هذا الوجود المشاهد ، ليحصل ذلك الوجود. فان الانسان هو أحد الموجودات الطبيعية ، وإن الوجود الذي له الآن ليس هو وجوده الطبيعي؛ بل وجوده الطبيعي وجود آخر غير هذا ، وهذا الذي له الآن مضاد لذلك الوجود وعائق عنه؛ وان الذي للانسان هو اليوم من الوجود فشيء غير طبيعي.
فقوم رأوا أن اقتران النفس بالبدن ليس بطبيعي ، وأن الانسان هو النفس؛ واقتران البدن إليها مفسد لها مغيّر لأفعالها ، والرذائل إنما تكون عنها لأجل مقارنة البدن لها ، وان كمالها وفضيلتها أن تخلص من البدن؛ وأنها في سعادتها ليست تحتاج إلى بدن ، ولا أيضا في أن تنال السعادة تحتاج إلى بدن ولا إلى الأشياء الخارجة عن البدن ، مثل الأموال والمجاورين والأصدقاء وأهل المدينة؛ وان الوجود البدني هو الذي يحوج إلى الاجتماعات المدنية وإلى سائر الأشياء الخارجة. فرأوا لذلك أن يطرح هذا الوجود البدني (١).
وآخرون رأوا أن البدن طبيعي له ، ورأوا أن عوارض النفس هي التي ليست طبيعية للانسان ، وأن الفضيلة التامة ، التي بها تنال السعادة ، هي إبطال العوارض وإماتتها. فقوم رأوا ذلك في جميع العوارض ، مثل الغضب والشهوة وأشباههما ، لأنهم رأوا أن هذه هي أسباب ايثار هذه التي هي خيرات مظنونة ، وهي الكرامة واليسار واللّذات؛ وأن إيثار الغلبة انما يكون بالغضب وبالقوة الغضبية ،
_________________
١) النفس تنال السعادة بالتخلص من البدن والرغبة من الأشياء الدنيوية كالأموال والأصدقاء.