الرابع والثلاثون :
انّ حديث جنود العقل والجهل ، وهو حديث الثاني المذكور سابقاً (١) يدلّ على انّه يمكن أن يترقّى غير المعصوم بسبب متابعة العقل ، والعمل بمقتضاة ، وكثرة العبادات ، واستعمال جنود العقل واكتسابها إلى حدّ ينتفي عنه السهو والنسيان ، وقد ذكروا في حقّ كثير من الفصحاء والفضلاء والعلماء نحو ذلك ، كما يظهر من كتب التواريخ والرجال فمنهم عبد الكريم بن أحمد بن طاوس (٢) المذكور في الرجال أنّه ما دخل سمعه قط شيء ، فكاد ينساه ، وغير ذلك ، فيلزم على قول من جوّز السهو على المعصوم أن يكون هذا القسم كلّهم أفضل منه وأحسن حالا ، فيستحيل تقدّمه عليهم لما مرّ.
الخامس والثلاثون :
انّ كلّ فعل أو قول للنبيّ صلّى الله عليه وآله والإمام عليه السلام حجّة ودليل على حكم من أحكام الشرع قطعاً ، وكلّ دليل يمتنع معه نقيض المدلول ، وإلاّ لم يكن دليلاً فقولهما وفعلهما يمتنع نقيضه ويستحيل كونه خطأ غير صواب ، وذلك يستلزم العصمة ونفي السهو مطلقاً.
__________________
(١) تقدّمت تخريجاته في ص : ٨٣.
(٢) هو الشريف النقيب غياث الدين عبد الكريم بن جلال الدين أحمد بن سعد الدين إبراهيم بن موسى بن جعفر بن محمد بن أحمد بن محمد بن أبي عبد الله المعروف « الطاووس » ، ولد في الحائر الحسيني في شعبان سنة ٦٤٨ ه ، ونشأ في مدينة الحلة المزيدية حيث كانت موطن آبائه ، وتوفّي بمشهد الإمام الكاظم عليه السلام سنة ٦٩٣ ه ، وحمل نعشه إلى النجف الأشرف حيث مرقد أمير المؤمنين عليه السلام ودفن هناك.
قال عنه معاصروه : كان عالماً ، فقيهاً ، ذكياً ، امتاز بقوة حافظته ، فما دخل ذهنه شيء قط فنساه ، وحفظ القرآن وعمره إحدى عشرة سنة. « راجع في ترجمته : مجمع الرجال ٤ : ١٠٠ ، الحوادث الجامعة لابن الفوطي : ٤٨٠ ».