وأمّا قوله : إنّ سهوه من الله ، وسهو غيره من الشيطان ، فهو يقرّب ما قلناه ، لأن نسبة السهو هنا إلى الله والى الرسول لابدّ فيها من ارتكاب تجويز ، بأن يكون أحدهما فاعلاً حقيقياً ، والآخر مجازياً ، فإن كان الفاعل الحقيقي هو الرسول صلّى الله عليه وآله من غير أمر من الله ، فلا فرق بين سهونا وسهوه ، إلاّ بأنّ سهوه من نفسه من غير مدخلية الشيطان ، وتبطل النسبة إلى الله حينئذٍ لأنّ معناها على هذا التقدير التخلية والتمكين وعدم المنع ، وذلك حاصل في سهونا أيضاً ، فانتفت المزيّة بالكليّة ، وبطل الفرق كما لا يخفى ، لأنّ ما ذكر غير صالح للفرق ، ولا موجب لنسبة الفعل إلى الله حقيقة ، بل يوجب أن يكون النبيّ أسوء حالاً منّا في السهو ، لأنّ لنا عذرين ، وله عذر واحد.
وإن كان الفاعل الحقيقي هو الله ؛ أمّا بالخبر الخاص على تقدير تسليمه ، أو بالأمر له بما فعله ، ففيه تصريح بنفي السهو عن المعصوم ، وهو عين المدّعي ، وإنّما نفينا عنه السهو الحقيقي ، ولا حرج في إطلاق المجازي ، مع انّ الأولى ترك إطلاقه أيضاً في غير الضرورة ، كرواية هذه الأخبار وتأويلها.
هذا ولا يخفى إنّ الحمل على وقوع الأمر يستلزم الإسناد المجازي أيضاً ، ولا تصوّر فيه ، وقرينة قول ابن بابويه : إنّ سهوه من الله وسهونا من الشيطان.
ومعلوم إنّ الشيطان لا يجبر الإنسان على السهو ولا على غيره ، بل يأمره بما يريد ويوسوس إليه به ، لكن النسبة إلى الله مع أمره به أقرب من النسبة إليه مع التخلية بمراتب ، وإلاّ جاز إسناد جميع أفعال المعصوم وغيره إلى الله تعالى.
وأمّا ما نقله عن محمد بن الحسن بن الوليد ، فقبوله للتوجيه الّذي قلناه ،