هذا التكليف ويجري هذا الباب مجرى خلق إبليس ، مع علمه تعالى بضلال من ضل عند خلقه ، ممن لو لم يخلقه لم يكن ضالا. ومجرى زيادة الشهوة فيمن يعلم منه تعالى هذه الزيادة انه يفعل قبيحا لولاها لم يفعله. ووجه آخر في الجواب عن أصل المسألة : وهو أنه يجوز ان يكون يعقوب كان مفضلا ليوسف (ع) في العطاء والتقريب والترحيب والبر الذي يصل إليه من جهته ، وليس ذلك بقبيح لانه لا يمتنع ان يكون يعقوب (ع) لم يعلم ان ذلك يؤدى إلى ما ادى إليه ، ويجوز ان يكون رأى من سيرة اخوته وسدادهم وجميل ظاهرهم ما غلب في ظنه معهم أنهم لا يحسدونه ، وان فضله عليهم. فإن الحسد وإن كان كثيرا ما يكون في الطباع ، فإن كثيرا من الناس يتنزهون عنه ويتجنبونه ، ويظهر من احوالهم امارات يظن معها بهم ما ذكرناه. وليس التفضيل لبعض الاولاد على بعض في العطاء محاباة ، لان المحاباة هي المفاعلة من الحباء ، ومعناها ان تحبو غيرك ليحبوك. وهذا خارج عن معنى التفضيل بالبر ، الذي لا يقصد به إذا ما ذكرناه. فاما قولهم : ان ابانا لفي ضلال مبين. فلم يريدوا به الضلال عن الدين. وانما ارادوا به الذهاب عن التسوية بينهم في العطية ، لانهم رأوا ان ذلك اصوب في تدبيرهم. وأصل الضلال هو العدول. وكل من عدل عن شئ وذهب عنه فقد ضل. ويجوز ايضا ان يريدوا بذلك الضلال عن الدين ، لانهم خبروا عن اعتقادهم. ويجوز ان يعتقدوا في الصواب الخطأ. فإن قيل : كيف يجوز أن يقع من اخوة يوسف (ع) هذا الخطأ العظيم والفعل القبيح وقد كانوا انبياء في الحال؟ فإن قلتم لم يكونوا انبياء في تلك الحال ، قيل لكم وأي منفعة في ذلك لكم وانتم تذهبون إلى ان الانبياء عليهم السلام لا يوقعون القبائح قبل النبوة ولا بعدها؟. قلنا : لم تقم الحجة بأن اخوة يوسف (ع) الذين فعلوا به ما فعلوه كانوا انبياء في حال من الاحوال ، وإذا لم تقم بذلك حجة