قلنا : اما جواب (لولا) فجائز مستعمل ، وسنذكر ذلك فيما نستأنفه من الكلام عند الجواب المختص بذلك ، ونحن غير مفتقرين إليه في جوابنا هذا ، لان العزم على الضرب والهم به قد وقع ، إلا انه انصرف عنه بالبرهان الذى رآه ، ويكون تقدير الكلام وتلخيصه : «ولقد همت به وهم بدفعها لولا أن رأى برهان ربه لفعل ذلك». فالجواب المتعلق بلولا محذوف في الكلام ، كما يحذف الجواب في قوله تعالى : (ولولا فضل الله عليكم ورحمته وان الله رؤوف رحيم) ، معناها : ولولا فضل الله عليكم ورحمته ، وأن الله رؤوف رحيم لهلكتم ، وملثه (كلا لو تعلمون علم اليقين لترون الجحيم) معناها لو تعلمون علم اليقين لم تتنافسوا في الدنيا ولم تحرصوا على حطامها. وقال امروء القيس : فلو انها نفس تموت سوية * ولكنها نفس تساقط انفسا اراد فلو أنها نفس تموت سوية لتقضت وفنيت ، فحذف الجواب تعويلا على ان الكلام يقتضيه ويتعلق به. على أن من حمل هذه الاية على الوجه الذى لا يليق بنبى الله ، وأضاف العزم على المعصية إليه ، لا بد له من تقدير جواب محذوف. ويكون التقدير على تأويله : ولقد همت بالزنى وهم بمثله ، لولا أن رأى برهان ربه لفعله. فان قيل : متى علقتم العزم في الاية والهم بالضرب أو الدفع كان ذلك مخالفا للظاهر. قلنا : ليس الامر على ما ظنه هذا السائل ، لان الهم في هذه الاية متعلق بما لا يصح ان يتعلق به العزم والارادة على الحقيقة ، لانه تعالى قال : (ولقد همت به وهم بها) فتعلق الهم في ظاهر الكلام بذواتهما ، والذات الموجودة الباقية لا يصح ان تراد ويعزم عليها ، فلا بد من تقدير امر محذوف يتعلق العزم به مما يرجع اليهما ويختصان به ورجوع الضرب والدفع اليهما كرجوع ركوب الفاحشة فلا ظاهر للكلام يقتضي خلاف ما ذكرناه ، ألا ترى ان القائل إذا قال : قد هممت بفلان فظاهر الكلام يقتضي تعلق عزمه وهمه إلى أمر يرجع إلى فلان ، وليس بعض الافعال بذلك اولى من بعض ، فقد يجوز ان يريد انه هم بقصده أو باكرامه أو بإهانته أو غير ذلك من ضروب الافعال ، على انه لو كان للكلام ظاهر