يقتضى خلاف ما ذكرناه ، وان كنا قد بينا ان الامر بخلاف ذلك لجاز ان نعدل عنه ونحمله على خلاف الظاهر ، للدليل العقلي الدال على تنزيه الانبياء عليهم السلام عن القبائح. فإن قيل : الكلام في قوله تعالى : (ولقد همت به وهم بها) خرج مخرجا واحدا. فلم جعلتم همها به متعلقا بالقبح؟ وهمه بها متعلقا بالضرب والدفع على ما ذكرتم؟ قلنا : أما الظاهر ، فلا يدل الامر الذي تعلق به الهم والعزم منهما جميعا ، وإنما اثبتنا همها به متعلقا بالقبيح لشهادة الكتاب ، والآثار بذلك. وهى ممن يجوز عليها فعل القبيح ، ولم يؤمن دليل ذلك من جوازه عليها كما أمن ذلك فيه (ع) ، والموضع إلى يشهد بذلك من الكتاب قوله تعالى : (وقال نسوة في المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه قد شغفها حبا إنا لنراها في ضلال مبين) وقوله تعالى : (وراودته التى هو في بيتها عن نفسه) وقوله تعالى حاكيا عنها (الآن حصحص الحق اناراودته عن نفسه وانه لمن الصادقين) وفى موضع آخر : (قالت فذلكن الذى لمتننى فيه ولقد راودته عن نفسه فاستعصم). والآثار واردة باطباق مفسري القرآن ومتأوليه ، على أنها همت بالمعصية والفاحشة ، وأما هو عليه السلام فقد تقدم من الادلة العقلية ما يدل على انه لا يجوز ان يفعل القبيح ولا يعزم عليه. وقد استقصينا ذلك في صدر هذا الكتاب. فأما ما يدل من القرآن ، على انه عليه السلام ما هم بالفاحشة ولا عزم عليها فمواضع كثيرة منها قوله تعالى : (كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء) وقوله تعالى (ذلك ليعلم انى لم اخنه بالغيب) ولو كان الامر كما قال الجهال من جلوسه منها مجلس الخائن وانتهائه إلى حل السراويل وحوشي من ذلك ، لم يكن السوء والفحشاء منصرفين عنه ، ولكان خائنا بالغيب ، وقوله تعالى حاكيا عنها : (ولقد راودته عن نفسه فاستعصم) وفي موضع آخر : (انا راودته عن نفسه وانه لمن الصادقين) وقول العزيز لما رأى القميص قد من دبر (انه من كيدكن ان كيدكن عظيم) فنسب الكيد إلى المرأة دونه ، وقوله تعالى حاكيا عن زوجها لما وقف على ان الذنب منها وبراءة يوسف (ع) منه :