موسى عليه السلام : (والقى الالواح وأخذ برأس أخيه يجره إليه قال ابن ام ان القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني فلا تشمت بي الاعداء ولا تجعلني مع القوم الظالمين) أو ليس ظاهر هذه الآية يدل على ان هرون عليه السلام أحدث ما اوجب ايقاع ذلك الفعل منه؟ وبعد فما الاعتذار لموسى (ع) من ذلك وهو فعل السخفاء والمتسرعين وليس من عادة الحكماء المتماسكين؟. (الجواب) قلنا : ليس فيما حكاه الله تعالى من فعل موسى وأخيه عليهما السلام ما يقتضي وقوع معصية ولا قبيح من واحد منهما ، وذلك ان موسى (ع) اقبل وهو غضبان على قومه لما احدثوا بعده مستعظما لفعلهم مفكرا منكرا ما كان منهم ، فأخذ برأس اخيه وجره إليه كما يفعل الانسان بنفسه مثل ذلك عند الغضب وشدة الفكر. ألا ترى ان المفكر الغضبان قد يعض على شفيته ويفتل اصابعه ويقبض على لحيته؟ فأجرى موسى (ع) اخاه هرون مجرى نفسه ، لانه كان أخاه وشريكه وحريمه ، ومن يمسه من الخير والشر ما يمسه ، فصنع به ما يصنعه الرجل بنفسه في احوال الفكر والغضب ، وهذه الامور تختل احكامها بالعادات ، فيكون ما هو اكرام في بعضها استخافا في غيرها ، ويكون ما هو استخفاف في موضع اكراما في آخر. وأما قوله : لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي ، فليس يدل على انه وقع على سبيل الاستخفاف ، بل لا يمتنع ان يكون هرون (ع) خاف من ان يتوهم بنو اسرائيل لسوء ظنهم انه منكر عليه معاتب له ، ثم ابتدأ بشرح قصته فقال في موضع آخر : اني خشيت ان تقول فرقت بين بني اسرائيل ولم ترقب قولي وفي موضع آخر : (ابن ام ان القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني) إلى آخر الآية ، ويمكن أن يكون قوله : (لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي) ليس على سبيل الامتعاظ والانفة (اي الغيرة) ، لكن معنى كلامه : (لا تغضب ولا يشتد جزعك وأسفك) لانا إذا كنا قد جعلنا فعله ذلك دلالة الغضب والجزع فالنهي عنه في المعنى نهي عنهما. وقال قوم ان موسى عليه السلام لما جرى من قومه من بعده ما جرى