ثم قال (إذ تسوروا المحراب) فكنى عنهم بكناية الجماعة ، وقيل في ذلك انه اخراج الكلام على المعنى دون اللفظ ، لان الخصمين ههنا كانا كالقبيلتين أو الجنسين. وقيل بل جمع لان الاثنين اقل الجمع ، وأوله لان فيهما معنى الانضمام والاجتماع. وقيل بل كان مع هذين الخصمين غيرهما ممن يعنيهما ويؤيدهما. فإن العادة جارية فيمن يأتي باب السلطان بأن يحضر معه الشفعاء والمعاونون ، فأما خوفه منهما فلانه (ع) كان خاليا بالعبادة في وقت لا يدخل عليه فيه احد على مجرى عادته ، فراعه منهما انهما. أتيا في غير وقت الدخول ، أو لانهما دخلا من غير المكان المعهود. وقولهما خصمان بغى بعضنا على بعض جرى على التقدير والتمثيل. وهذا كلام مقطوع عن اوله ، وتقديره : ارأيت لو كنا كذلك واحتكمنا اليك؟ ولابد لكل واحد من الاضمار في هذه الآية. وإلا لم يصح الكلام لان خصمان لا يجوز أن يبتدؤا به. وقال المفسرون تقدير الكلام : نحن خصمان. قالوا وهذا مما يضمره المتكلم ويضمره المتكلم له أيضا. فيقول المتكلم سامع مطيع ، أي انا كذلك. ويقول القافلون من الحج آئبون تائبون لربنا حامدون. أي نحن كذلك. وقال الشاعر : وقولا إذا جاوزتما ارض عامر * وجاوزتما الحيين نهدا وخثعما فزيعان من جرم بن ريان انهم * ابوا أن يجيروا في الهزاهز محجما اي نحن فزيعان. ويقال للمتكلم مطاع معان. ويقال له أراحل أم مقيم؟ وقال الشاعر : تقول ابنة الكعبي لما لقيتها * امنطلق في الجيش أم متثاقل اي أنت كذلك. فإذا كان لابد في الكلام من اضمار فليس لهم ان يضمروا شيئا بأولى منا إذا اضمرنا سواه. فأما قوله : (ان هذا اخي له تسع وتسعون نعجة) إلى آخر الآية. فإنما هو ايضا على جهة التقدير والتمثيل اللذين قدمناهما ، وحذف من الكلام ما يقتضي فيه التقدير. ومعنى قوله : (وعزتي في الخطاب) أي صار اعز مني. وقيل إنه أراد قهرني وغلبني. وأما قوله لقد ظلمك من غير مسألة