أحلام عابديها لأجله ، فأجاب بهذا الجواب ، فأنكره الملك الطاغية الذي حكي عنه ادعاء الألوهية لنفسه ، وقال «أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ» ، أحي من أحكم عليه بالإعدام بالعفو عنه ، وأميت من شئت إماتته بالأمر بقتله ، فدل جوابه هذا على أنه لم يفهم قول إبراهيم صلىاللهعليهوسلم (١) ، ذلك لأن إبراهيم عليهالسلام وهو رسول موهوب موهبة ربانية إنما يعني من الاحياء والاماتة الانشاء ، إنشاء هاتين الحقيقتين إنشاء ، فذلك عمل الرب المتفرد الذي لا يشاركه فيه أحد من خلقه ، ولكن الذي حاج إبراهيم في ربه ، رأى في كونه حاكما لقومه ، وقادرا على إنفاذ أمره فيهم بالحياة والموت مظهرا من مظاهر الربوبية ، فقال لإبراهيم : أنا سيد هؤلاء القوم ، وأنا المتصرف فيهم وفي شئونهم ، فأنا إذن الرب الذي يجب عليك أن تخضع له وتسلم بحاكميته (٢).
وقال قتادة وابن إسحاق والسدى وغير واحد : وذلك أنه أوتي بالرجلين قد استحقا القتل ، فأمر بقتل أحدهما ، فيقتل ، وأمر بالعفو عن الآخر فلا يقتل ، فذلك معنى الإحياء والإماتة ، والظاهر والله أعلم ، أنه ما أراد هذا ، لأنه ليس جوابا لما قال إبراهيم ، ولا في معناه ، لأنه غير مانع لوجود الصانع ، وإنما أراد أن يعي لنفسه هذا المقام ، عنادا ومكابرة ويوهم أنه الفاعل لذلك ، وأنه هو الذي يحيي ويميت ، كما اقتدى به فرعون في قوله : «ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي» ، ولهذا قال إبراهيم ، لما ادعى هذه المكابرة : «فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب» (٣).
وقال الأستاذ الإمام محمد عبده : لم يقل «فقال إني أحي وأميت» ، لأن جوابه مقطع عن الدليل لا يتصل به بالمرة ، فإنه أراد أن يكون سببا للإحياء والإماتة ، والكلام في الإنشاء والتكوين ، لا في اتخاذ الأسباب والتوسل في
__________________
(١) تفسير المنار ١١ / ٣٩.
(٢) في ظلال القرآن ١ / ٢٩٨.
(٣) تفسير ابن كثير ١ / ٤٦٨.