إلى «غينيا الشمالية» فهي أسطورة أكثر منها قصة ، اختلطت فيها الخرافات بالمعجزات حتى بات من الصعب علينا مقارنتها بغيرها من قصص الطوفان ، هذا إلى أنها نقلت إلينا عن طريق المبشرين الأوربيين ، حتى أصبحنا لا نستطيع الحكم عليها وإرجاعها إلى أصل غيني أو أوربي ، أضف إلى ذلك أن هناك رواية أخرى تذهب إلى أن الرجال قد تحولوا بعد الطوفان إلى قرود ، كما تحولت النساء إلى سحالي ، وأن ذيل القرد هو بندقية الرجل ، مما يدل بوضوح على مدى التأثير الأوربي الحديث في هذه الأسطورة الأفريقية عن الطوفان ، كما أن الروايات التي اكتشفها الكتاب الألمان عن الطوفان الكبير بين سكان إفريقيا الشرقية ليست سوى روايات مختلفة لقصة الطوفان في الكتاب المقدس (التوراة والإنجيل) والتي تسربت إلى هؤلاء البدائيين عن طريق المسيحيين (١). وبديهي أننا لن نناقش هنا كل القصص والأساطير التي دارت حول الطوفان الكبير الذي أغرق العالم ، ولكننا سوف نقتصر على دراسة قصة الطوفان في منطقة الشرق الأدنى القديم ، سواء تلك القصص التي روتها المصادر التاريخية ، أو تلك التي تحدثت عنها الكتب المقدسة ـ التوراة والإنجيل والقرآن العظيم ـ وكلها ـ دون استثناء ـ أنزلت على أرض هذا الشرق القديم ، كما أنه ليس واحدا من أصحابها ـ صلوات الله وسلامه عليهم ـ إلا وكان من هذا الشرق الخالد.
ولعل الذي دفعني إلى دراسة هذا الموضوع إحساس عميق بأن تنال الموضوعات التاريخية المتصلة بالكتب المقدسة قسطا وافرا من المؤرخين المسلمين ، بعد أن ظل الميدان في العصر الحديث يكاد يكون مقصورا على الغربيين من يهود ونصارى ، وساعدني على هذه المحاولة تخصصي في التاريخ القديم ، فضلا عن دراسات إسلامية قضيت فيها الشطر المبكر من حياتي العلمية ، وإن كنت لا أزعم لنفسي فيها ـ بحال من الأحوال ـ مكانة تعدو مكانة عامة المسلمين الذين تعلموا من أمور دينهم القدر الذي يتعرفون به عليه ، وإن كان مما لا ريب فيه أنه لا يصل بهم إلى مكانة الخاصة من المتخصصين في دراسات القرآن الكريم والحديث الشريف وعلومهما ، ثم كان لوجودي بين أعضاء
__________________
(١) جيمس فريزر : المرجع السابق ص ٢٠١ ـ ٢٠٢.