من السماء إلى كيش ثم الوركاء فأور ، ولعل في هذا دليلا واضحا على أن قائمة الملوك السومرية إنما تعتبر حادث الطوفان الخطير بمثابة كسر في عملية استمرار تاريخ العراق القديم ، ومن ثم فهو حد فاصل بين عصور ما قبل التاريخ والعصر التاريخي.
ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أن الأدلة الأثرية التي عثر عليها في طبقات مدينتي أريدو والوركاء لتثبت حقيقة ما نصت عليه وثيقة قائمة الملوك السومرية من حيث انتقال السيادة السياسية في جنوب العراق القديم بين تلك المدن (١).
ويتجه «Sir Leonard Woolley» إلى اعتبار هذا الطوفان ـ موضوع الحديث ـ طوفانا كبيرا لا مثيل له في أي عصر لاحق من تاريخ العراق القديم ، صحيح أن هناك في أور ، وفي مواضع أخرى من ميزوبوتاميا ، أدلة على فيضانات مؤقتة ومحلية حدثت في أوقات مختلفة من تاريخ العراق القديم ، وفي بعض الأحايين لم يكن أكثر من نتيجة أمطار هطلت في منطقة محدودة ، ولكن صحيح كذلك أن الطوفان الذي وضع نهاية لحضارة «العبيد» إنما يتفق في توقيته مع التاريخ السومري الذي وصل إلينا عن طريق التقاليد ، وأنه بعينه الطوفان الذي تحدثت عنه قائمة الملوك السومرية ، وهو الطوفان الذي روته التوراة في سفر التكوين ، على أنه يجب ألا يفهم أن القصة بحذافيرها صحيحة ، صحيح أن الخلفية حقيقة تاريخية ، ولكن التفاصيل قد زخرفها المؤلف السومري والعبري ببيانات وأوصاف تتفق وهدف كل منهما من كتابتها ، فمثلا تقول التوراة إن الماء قد ارتفع ٢٦ قدما ، وهذا ما يبدو صحيحا إلى حد كبير ، كما أن القصة السومرية تصف إنسان ما قبل الطوفان بأنه كان يعيش في أكواخ من بوص ، وهذا أمر أثبتته الحفائر في العبيد وفي أور ، وأن نوحا قد بنى فلكه من خشب خفيف لا ينفذ منه الماء ولا يؤثر فيه ، وأنه قد طلاه من داخل ومن خارج ، وهو أمر قد أثبتته الحفائر (٢).
وهناك من الأدلة كذلك ما حدثنا عنه «سير ليونارد وولي» من أنه قد وجد في أمور
__________________
(١) رشيد الناضوري : المرجع السابق ص ٢٤٧.
(٢) ٤٣ ـ ٦٣.Sir Leonard Woolley ,op.cit.,P.