بصوت عال : واحسرتاه! ، لقد تحولت الأيام الخوالي إلى طمي ، لأني لعنت الناس في مجمع الآلهة ، ولكن : كيف ألعن الناس في مجلس الآلهة ، وأعلن حربا لفناء الناس ، بينما أنا التي وهبتهم الحياة ، إنهم يملئون البحر كبيض السمك ، وبكى آلهة «أنوناكي» معها وجلس الآلهة جميعا يبكون في ذلة ، وقد التصقت شفاههم بعضها ببعض ، واستمرت ريح الفيضان تهب ستة أيام وست ليال ، وعاصفة الجنوب تكتسح الأرض.
وفي اليوم السابع سكنت عاصفة الجنوب عن الحرب التي شنتها وكأنها جيش من الخيالة ، وهدأ البحر ، وسكنت العاصفة وتوقف الطوفان ، وتطلعت إلى الجو ، فإذا السكون شامل ، وإذا الناس وقد تحولوا إلى طين ، وإذا الأرض قد تشققت وكأنها جرة ، ففتحت كوة وسقط الضوء على وجهي ، فجلست وبكيت وسالت دموعي على وجهي ، وتطلعت إلى الدنيا في عرض البحر ، وفي كل من الأقاليم الأربعة عشر ، (الاثني عشر) طلع نجم.
واستوت الفلك على جبل نيصير (١) ، وأمسك جبل نيصير بالفلك ولم يدعها تتحرك ، ويوم ثم يوم آخر ، وجبل نيصير يستمسك بالسفين فلا تحير حراكا ، ويوم ثالث ورابع ، وجبل نيصير يستمسك بالسفين فلا تحير حراكا ويوم خامس ثم يوم سادس وجبل نيصير يستمسك بالسفين فلا تحير حراكا ، فلما كان اليوم السابع أطلقت حمامة فذهبت وعادت وعزّ عليها أن تجد مكانا ظاهرا تحط عليه ، ثم أطلقت «سنونو» ، إلا أنه عاد ، إذ لم يكن ثمة مكان ظاهر يحط عليه ، ثم أطلقت غرابا فذهب ورأى الماء يتناقص فأكل وعبّ ودار ولم يعد ، ثم أطلقت الجميع إلى الرياح الأربعة ، وضحيت وأرقت سكيبة على قمة الجبل ، ونصبت ٤ أقدار ، وعلى صحاف قوائمها كومت القصب وخشب الأرز والآس. فشمت الآلهة الرائحة الزكية ، وتكأكأت حول الأضاحي ، وعند ما وصلت سيدة الآلهة (عشتار) نزعت المجوهرات العظيمة التي صاغها لها «أنو»
__________________
(١) تصف النصوص المسمارية البابلية القديمة موقع جبل نيصير (نيزير) بأنه بين الدجلة والزاب الأسفل وحيث سلسلة جبال كردستان في شرق الدجلة ، وعلى أى حال فهو يمكن توحيده بجبل بئر عمر جدرون (انظرKeller ,op.cit.,٧٥ وكذاFinegan ,op.cit.,P.٥٣. وكذاSpeizer ,AASOR ,٨ ,٦٢٩١ ـ ٧٢ ,P.٧ ,٧١ ـ ٨١. ومحمد عبد القادر : قصة الطوفان في أدب بلاد الرافدين).