أسف أن هذه الكتابات ـ شأنها في ذلك شأن كتابات الكاهن المؤرخ المصري مانيتو من نفس الفترة ـ والتي تقدم وجهة النظر القومية حينئذ عن تاريخ العراق القديم لم تصل إلينا كاملة ، وكل ما وصلنا منها مقتطفات حفظها لنا المؤرخون المتأخرون من الأغارقة ، ومن حسن الحظ أن هذه المقتطفات كانت تحتوي على قصة الطوفان البابلية التي تجري أحداثها على النحو التالي :
في عهد الملك «أكسيسوثروس» ، وفي ليلة ما ، رأى هذا الملك فيما يرى النائم أن الإله «كرونوس» يحذره من طوفان سوف يغمر الأرض ويهلك الحرث والنسل ، في اليوم الخامس عشر من شهر «دايسيوس» ـ وهو الشهر الثامن من السنة المقدونية ـ ومن ثم فإن عليه أن يكتب تاريخ البشرية منذ بدايتها ، وأن يدفن ما يكتبه في مدينة سيبار ، بلد الشمس ، حتى لا يضيع في طوفان سوف يدمر كل شيء ، كما أمره كذلك أن يبني فلكا يأوي إليه.
ويسأل «أكسيسوثروس» ربه عن المكان الذي يبحر إليه بفلكه هذا ، فإذا به يجيبه «إلى الآلهة ، ولكن بعد أن تصلي من أجل خير الناس» ، ويصدع الملك بأمر إلهه ، ويبني فلكا طوله مائة وألف ياردة ، وعرضه أربعمائة وأربعون ياردة ، يجمع فيه كل أقربائه وأصحابه ، ويختزن فيه زادا من اللحم والشراب ، فضلا عن الكائنات الحية من الطيور وذوات الأربع.
ويغرق الطوفان الأرض ، وعند ما ينحسر عنها يطلق الملك سراح بعض الطيور التي تعود إليه ثانية ، ثم يطلقها بعد أيام ، فإذا بها تعود وأرجلها ملوثة بالطين ، وحين يكرر الأمر مرة ثالثة لا تعود الطيور إلى الفلك ، ويعلم الملك أن الماء قد انحسر عن الأرض ، وينظر من كوة في السفين فيرى الشاطئ الذي يتجه إليه ، وهناك تستقر الفلك عند جبل ، حيث ينزل الملك وزوجته وابنته وقائد الدفة.
ويسجد الملك لربه ويقدم له القرابين ، ثم يختفي هو ومن معه ، ويبحث الذين ما يزالون في الفلك عن الملك ورفاقه ، ولكنهم لا يجدون لهم أثرا ، وحين يجدّون في البحث عن المختفين يسمعون صوتا يدوي في الهواء ، ويطلب منهم أن يتقوا الآلهة ويكفوا عن