البحث عن المختفين ، لأن الآلهة قد اختارتهم لكي يسكنوا إلى جوارها ، ثم يأمرهم الصوت بالعودة إلى بابل والبحث عن الكتابات المدفونة هناك ، وأن يوزعوها فيما بينهم ، كما أخبرهم الصوت أن الأرض التي يقفون عليها ، إنما هي أرض أرمينيا ، وهكذا عاد القوم ـ دون المختفين ـ إلى بابل ، واستخرجوا الكتابات المدفونة في سيبار ، وشيدوا مدنا كثيرة ، وأعادوا الأرض المقدسة وعمروا بابل بنسلهم (١).
وهناك رواية أخرى لأسطورة الطوفان قديمة كل القدم ، اكتشفت في مدينة «نيبور» (٢) في أثناء عمليات الحفر التي قامت بها جامعة بنسيلفانيا ، وهذه الرواية مدونة على كسرة من الفخار غير المحترق ، وقد رأى الأستاذ «ه. و. هيلبرخت» مرتكزا على أسلوب كتابتها ، وعلى المكان الذي عثر عليها فيه ، أن هذه الرواية لم تدون بعد عام ٢١٠٠ ق. م ، وقد ورد في هذه الرواية أن الإله ظهر ليذيع نبأ حدوث طوفان سيكتسح الجنس البشري في الحال ، وحذر من هذا الطوفان شخصا بعينه ، فطلب منه أن يبني فلكا كبيرا ، ذا سقف قوي ، لينجو فيها بحياته ، وأن يأخذ معه فيها صنوف الحيوان الأليفة وطيور السماء (٣).
وهكذا فإن هناك الكثير من الشواهد الأثرية لقصة الطوفان البابلية ، تؤيدها كتابات على لوح مهشم اكتشف في مدينة «سيبار» أثناء عملية الحفر التي قامت بها الحكومة التركية ، ويرجع إلى حوالي عام ١٩٦٦ ق. م ، نستطيع أن نستخلص منه اسم «أثرخاسيس» (أترام خاسيس) ، فضلا عن إشارات إلى المطر الغزير ، وإلى السفين
__________________
(١) سير جيمس فريزر : الفلكور في العهد القديم ـ ترجمة نبيلة إبراهيم ـ مراجعة حسن ظاظا ـ ج ١ ـ ص ٩٤ ـ ٩٥.
(٢) نيبور : وتقع على مبعدة مائة ميل إلى الجنوب من بغداد ، وفي منتصف المسافة تقريبا بين كيش وشورباك ، وتعتبر نيبور أهم المراكز الثقافية السومرية في العراق القديم ، كما أنها أكبر مدينة مقدسة ، وربما أكبر مركز ديني في بابل ، كما أن «انليل» إله المدينة كان رئيس مجمع الآلهة البابلي ، وقد أمدتنا المدينة بالآلاف من اللوحات المكتوبة والجذاذات التي صنفت في الألف الثالثة والثانية ق. م ، والتي تدل بوضوح على مدى انتشار الثقافة السومرية (انظرKFTS ,P.٧٧٢) وكذلك
J. P. Peters, Nippur, or Explorations on the Euphates, ٢ vols., ٧٩٨١.
وكذك
H. W. Hilpecht, the Excavations in Assyeia and Babylonia, ٣٠٩١, P. ٩٨٢ FF
(٣) جيمس فريزر : المرجع السابق ـ ص ١٠٢.