وقوله «وإذا قال العبد إياك نعبد وإياك نستعين قال الله هذا بيني وبين عبدي» معناه أن «إياك نعبد» يدل على إقدام العبد على الطاعة والعبادة ولا يتم ذلك إلا بإعانة الله بخلق داعية فيه خالصة عن المعارض ، فإن العبد غير مستقل بالإتيان بذلك العمل فهو المراد من قوله «وإياك نستعين» وقوله «وإذا قال : اهدنا الصراط المستقيم يقول الله : هذا لعبدي ولعبدي ما سأل» تقريره أن أهل العلم مختلفون بالنفي والإثبات في جميع المسائل الإلهية أو أكثرها ، وفي المعاد والنبوات وغيرها مع استواء الكل في العقل والنظر. فالاهتداء إلى ما هو الحق في الأمر نفسه ليس إلا بهداية الله تعالى وإرشاده كما قالت الملائكة (سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا) [البقرة : ٣٢] وقال إبراهيم عليهالسلام (لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ) [الأنعام : ٧٧] وقال موسى (رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي) [طه : ٢٥ ، ٢٦]
المنهج الخامس : آيات الفاتحة سبع والأعمال المحسوسة في الصلاة أيضا سبعة : القيام والركوع والانتصاب منه والسجود الأول والانتصاب منه والسجود الثاني والقعدة. فهذه الأعمال كالشخص والفاتحة لها كالروح ، وإنما يحصل الكمال عند اتصال الروح بالجسد ، فقوله «بسم الله الرحمن الرحيم» بإزاء القيام ، ألا ترى أن الباء في بسم الله لما اتصل باسم الله حصل قائما مرتفعا. وأيضا التسمية لبداية الأمور «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه باسم الله أبتر» والقيام أيضا أول الأعمال. وقوله «الحمد لله رب العالمين» بإزاء الركوع لأن الحمد في مقام التوحيد نظرا إلى الحق وإلى الخلق والمنعم والنعمة ، لأنه الثناء على الله بسبب الإنعام الصادر منه إلى العبد ، فهو حالة متوسطة بين الإعراض والاستغراق ، كما أن الركوع متوسط بين القيام والسجود ، وأيضا ذكر النعم الكثيرة مما يثقل الظهر فينحني وقوله «الرحمن الرحيم» مناسب للانتصاب ، لأن العبد لما تضرع إلى الله بالركوع فاللائق برحمته أن يرده إلى الانتصاب ولهذا قال صلىاللهعليهوسلم : «إذا قال العبد : سمع الله لمن حمده نظر الله إليه بالرحمة» وقوله «مالك يوم الدين» مناسب للسجدة الأولى لدلالته على كمال القهر والجلال والكبرياء وذلك يوجب الخوف الشديد المستتبع لغاية الخضوع. وقوله «إياك نعبد وإياك نستعين» مناسب للقعدة بين السجدتين لأن إياك نعبد إخبار عن السجدة التي تقدمت و «إياك نستعين» استعانة بالله في أن يوفقه للسجدة الثانية ، وقوله «اهدنا الصراط المستقيم» سؤال لأهم الأشياء فيليق به السجدة الثانية ليدل على نهاية الخشوع. وقوله «صراط الذين أنعمت عليهم» إلخ. مناسب للقعود لأن العبد لما أتى بغاية التواضع قابله الله بالإكرام والقعود بين يديه وحينئذ يقرأ «التحيات لله» كما أن محمدا صلىاللهعليهوسلم قرأها في معراجه فالصلاة معراج المؤمن.