فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي» (١) فكيف يمكن التمسك به وهو غير معلوم؟ وأيضا لا يخاطب المكلف بما لا يفهم كما لا يخاطب العربي بالعجمي ، ولا يجوز التحدي بما لا يكون معلوما ، وعورض بقوله تعالى (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ) [آل عمران : ٧] والوقف هنا لأن الراسخين لو كانوا عالمين بتأويله كان الإيمان به كالإيمان بالمحكم ، فلا يكون في الإيمان به مزيد مدح ، ولا يكون في قوله (كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا) [آل عمران : ٧] فائدة على ما لا يخفى ، وبقوله صلىاللهعليهوسلم «أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم» وقد روينا عن أكابر الصحابة ما روينا. وأيضا الأفعال التي كلفنا بها منها ما يظهر وجه الحكمة فيه كالصلاة فإن فيها تواضعا للمعبود والصوم ففيه كسر الشهوة والزكاة ففيها سد خلة المساكين ، ومنها ما لا يظهر فيه الحكمة ككثير من أفعال الحج ، ويحسن من الله تعالى الأمر بالنوعين لظهور الامتثال بهما ، بل كمال الانقياد في النوع الثاني أظهر وأكثر لأنه تعبد محض. فلم لا يجوز أن يكون في الأقوال أيضا مثل ذلك ، مع أن فيه فائدة أخرى هي اشتغال السر بذكر الله والتفكر في كلامه؟
القول الثاني : إن المراد من هذه الفواتح معلوم ، ثم اختلفوا على وجوه : الأول : أنها أسماء وهو قول أكثر المتكلمين واختاره الخليل وسيبويه ، كما سموا بلام والد حارثة بن لام الطائي ، وكقولهم للنحاس صاد ، وللسحاب عين ، وللجبل قاف ، وللحوت نون ، وسعود تمام الكلام في هذا القول. الثاني : أنها أسماء الله تعالى. روي عن علي عليهالسلام أنه كان يقول : يا كهيعص ، يا حم عسق ، ويقرب منه ما روي عن سعيد بن جبير أنها أبعاض أسماء الله تعالى ، فإن «الر ، حم ، ن» مجموعها اسم «الرحمن» لكنا لا نقدر على كيفية تركيبها في الجميع. الثالث : أنها أسماء القرآن وهو قول الكلبي والسدي وقتادة. الرابع : كل واحد من الحروف دال على اسم من أسماء الله تعالى أو صفة من صفاته ، فالألف إشارة إلى أنه أحد أول آخر أزلي أبدي ، واللام إشارة إلى أنه لطيف ، والميم إلى أنه مجيد ملك منان ، وفي «كهيعص» الكاف كاف لعباده ، والهاء هاد ، والياء من الحكيم والعين عالم ، والصاد صادق. أو الكاف محمول على الكبير والكريم. والياء على أنه مجير ، والعين على العزيز والعدل ، ويروى هذا عن ابن عباس. وعنه أيضا في «ألم» أنا الله أعلم ، وفي «المص» أنا الله أعلم وأفصل ، وفي «المر» أنا الله أرى. الخامس : أنها صفات الأفعال. الألف آلاؤه ، واللام لطفه ، والميم مجده ، قاله محمد بن كعب القرظي. السادس : الألف من الله ، واللام من
__________________
(١) رواه الترمذي في كتاب المناقب باب ٣١. أحمد في مسنده (٣ / ١٤ ، ١٧).