الصحيح اعتقدوا أن ما هم فيه هو الحق ، ولأنهم كانوا في رياسة وثروة وكان أكثر المؤمنين فقراء ومنهم موال كصهيب وبلال وخباب ، فدعوهم سفهاء تحقيرا لشأنهم كما قال قوم نوح (وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا) [هود : ٢٧] أو أرادوا عبد الله بن سلام وأشياعه لما غاظهم من إسلامهم وفتّ في أعضائهم. عن أنس أنه سمع عبد الله بن سلام بمقدم رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهو في أرض مخترف ، فأتى النبي صلىاللهعليهوسلم فقال : إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي. فما أوّل أشراط الساعة؟ وما أول طعام أهل الجنة؟ وما ينزع الولد إلى أبيه أو إلى أمه؟ قال صلىاللهعليهوسلم : أخبرني بهن جبريل آنفا. أما أول أشراط الساعة فنار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب ، وأما أول طعام يأكله أهل الجنة فزيادة كبد حوت. وإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع الوالد ، وإذا سبق ماء المرأة نزعت. قال : أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله يا رسول الله ، إن اليهود قوم بهت وإنهم إن يعلموا بإسلامي قبل أن تسألهم بهتوني. فجاءت اليهود فقال : أي رجل عبد الله فيكم؟ قالوا : خيرنا وابن خيرنا وسيدنا وابن سيدنا. قال : أرأيتم إن أسلم عبد الله بن سلام. قالوا : أعاذه الله من ذلك. فخرج عبد الله فقال : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. فقالوا : شرنا وابن شرنا فانتقصوه. قال : هذا الذي كنت أخاف يا رسول الله. ثم إن الله تعالى ألقى عليهم هذا اللقب مقرونا بالمؤكدات التي بيناها في قوله «ألا إنهم هم المفسدون» وذلك أن من أعرض عن الدليل ثم نسب المتمسك به إلى السفه فهو السفيه ، وكذا من باع آخرته بدنياه. قال صلىاللهعليهوسلم : «الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت» (١). وأيضا من السفه معاداة المحمديين (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ) [الصف : ٨].
كالطود يحقر نطحة الأوعال
إنما فصلت هذه الآية «بلا يعلمون» والتي قبلها «بلا يشعرون» لأن الوقوف على أن المؤمنين على الحق وهم على الباطل أمر عقلي نظري ، وأما النفاق وما يؤول إليه من الفساد في الأرض فأمر دنيوي مبني على العادات ، وخصوصا عند العرب في جاهليتهم. وما كان قائما بينهم من التحارب والتجاذب فهو كالمحسوس المشاهد ، ولأنه قد ذكر السفه وهو جهل فكان ذكر العلم معه أحسن طباقا له.
__________________
(١) رواه الترمذي في كتاب القيامة باب ٢٥. ابن ماجه في كتاب الزهد باب ٣١. أحمد في مسنده (٤ / ٢٤).