اشتقاقه فمن ش ط ن ، ويقال شطن الدار أي بعدت ، والشيطان بعيد عن السداد والرشاد ، وقد يسمى كل متمرّد من إنس أو دابة شيطانا. قال تعالى : (وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِ) [الأنعام : ١١٢] وركب عمر برذونا فطفق يتبختر فجعل يضربه ولا يزداد إلا تبخترا فنزل عنه فقال : ما حملتموني إلا على شيطان. هذا أحد قولي سيبويه. وعلى هذا فـ «نونه» أصلية ، ووزنه «فيعال» ، وقد جعل سيبويه في موضع آخر النون زائدة وجعله فعلان من شاط يشيط إذا بطل. ولما كان كل متمرد كالباطل في نفسه لأنه مبطل لوجوه مصالح نفسه سمّي شيطانا. والرجيم معناه المرجوم كاللعين بمعنى الملعون. ومعنى المرجوم إما الملعون من قبل الله تعالى ، وإما لأنه تعالى أمر الملائكة برمي الشيطان بالشهب الثواقب ، ثم وصف بذلك كل شرير متمرد. وأما من ضم إلى الاستعاذة قوله : «إن الله هو السميع العليم» فوجه ذلك بعد الاقتداء بما ورد في القرآن أن العبد كأنه يقول : يا من يسمع كل مسموع ويعلم كل سرّ خفي أنت تسمع وسوسة الشيطان وتعلم غرضه فيها ، وأنت القادر على دفعها عني ، فادفعها عني بفضلك.
ولنتكلم في الجن والشياطين فنقول : من الناس من أنكرهم لوجوه :
الأول : لو كان موجودا فإن كان جسما كثيفا لوجب أن يراه كلّ من كان سليم الحس ، لكنّا لا نراه ؛ وإن كان جسما لطيفا لوجب أن يتمزّق ويتفرّق عند هبوب الريح العاصفة ، ولزم أيضا أن لا يقدر على الأعمال الشاقة التي ينسبها إليه المثبتون. والجواب أنه لم لا يجوز أن يكون جوهرا مجردا وبتقدير أن يكون جسما كثيفا فلم لا يجوز أن يصرف الله تعالى عنه أبصار الإنسان لحكمة في ذلك ، كما قال عز من قائل : (إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ) [الأعراف : ٢٧]. وعلى تقدير كونه جسما لطيفا فلم لا يجوز أن يكون تركيبه محكما كالأفلاك.
الوجه الثاني : قالوا : الظاهر الغالب أنهم لو كانوا في العالم لخالطوا الناس وشوهدت منهم العداوة والصداقة وليس كذلك ، وأهل التعزيم إذا تابوا من صنعتهم يكذبون أنفسهم فيما نسبوه إليهم. ومجال المنع في هذا الوجه لا يخفى لثبوت الاختلاط والعداوة والصداقة منهم بالنسبة إلى كثيرين. قال عز من قائل : (وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ) [الأحقاف : ٢٧] ، (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِ) [الجن : ١] (وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ) [سبأ : ١٢] (يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) [الأنعام : ١٣٠ ؛ والرحمن : ٣٣]