الوجود أمر معلوم بالضرورة ، وأما تصور حقيقته فأمر وراء الطاقة البشرية. وقال بعضهم : من أدرك شيئا وانحفظ أثره في نفسه ، ثم أدرك ذلك الشيء ثانيا وعرف أن هذا هذا المدرك الذي أدركه ثانيا هو الذي كان قد أدركه أولا ، فهذا هو المعرفة. والنفس قبل البدن كانت معترفة بالربوبية إلا أنها في ظلمة العلاقة البدنية قد نسيت مولاها ، فإذا تخلصت من قيد العلاقة عرفت ربها وعرفت أنها كانت عارفة. الثامن : الفهم وهو تصور الشيء من لفظ المخاطب ، والإفهام هو إيصال المعنى باللفظ إلى فهم السامع. التاسع : الفقه وهو العلم بغرض المخاطب من خطابه قال تعالى (لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً) [النساء : ٧٨] أي لا يقفون على المقصود الأصلي من التكاليف. العاشر : العقل وهو العلم بصفات الأشياء من حسنها وقبحها وكمالها ونقصانها ونفعها وضرها حتى يصير مانعا من الفعل مرة ، ومن الترك أخرى ، فيجري ذلك مجرى عقال الناقة. ومن هنا قيل : هو العلم بخير الخيرين وشر الشرين ، والعاقل من عقل عن الله أمره ونهيه. الحادي عشر : الدراية وهي المعرفة الحاصلة بضرب من الحيلة ، وهي ترتيب المقدمات فلا يصح إطلاقها عليه تعالى. الثاني عشر : الحكمة وهي اسم لكل علم حسن وعمل صالح ، وهو بالعلم العملي أخص منه بالعلم النظري ، وفي العمل أكثر استعمالا منه في العلم ، وقيل : هي الاقتداء بالخالق سبحانه بقدر القوة البشرية ، وذلك أن يجتهد أن ينزه علمه عن الجهل ، وعدله عن الجور ، وجوده عن البخل. وحلمه عن السفه. الثالث عشر : علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين. فعلم اليقين ما كان مر طريق النظر والاستدلال ، وعين اليقين ما كان من طريق الكشوف والنوال ، وحق اليقين ما كان متحقق الانفصال عن لوث الصلصال بوروده رائد الوصال. الرابع عشر : الذهن وهو قوة النفس على اكتساب الحدود والآراء. الخامس عشر : الفكر وهو انتقال النفس من التصديقات الحاضرة إلى التصديقات المستحضرة. وقيل : إنه يجري مجرى التضرع إلى الله تعالى في استنزال العلم من عنده. السادس عشر : الحدس وهو قوة للنفس بها يهتدي بسرعة إلى الحد الأوسط في كل قياس. السابع عشر : الذكاء وهو شدة هذا الحدس وبلوغه الغاية القصوى ، من ذكت النار اشتعلت. الثامن عشر : الفطنة وهي التنبه لشيء قصد تعريضه كالأحاجي والرموز. التاسع عشر : الخاطر وهو حركة النفس نحو تحصيل حق أو حظ. العشرون : الوهم وهو الاعتقاد المرجوح وقد يقال : إنه الحكم بأمور جزئية غير محسوسة لأشخاص جزئية كحكم السخلة بصداقة الأم وعداوة الذئب. الحادي والعشرون : الظن وهو الاعتقاد الراجح فإن كان عن أمارة قوية قبل ومدح وعليه مدار أكثر أحوال العالم ، وإن كان عن أمارة ضعيفة ذم (إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) [الحجرات : ١٢]. الثاني