أراد الله تعالى ، ثم فصل بينها وبين سورة أخرى بـ «بسم الله الرحمن الرحيم». ولا تكون السورة إلا معروف المبتدأ معلوم المنتهى. قيل : اشتقاقها من سورة البناء والمدينة ، لأن السور يوضع بعضه فوق بعض حتى ينتهي إلى الارتفاع الذي يراد ، فالقرآن أيضا وضع آية إلى جنب آية حتى بلغت السورة في عدد الآي المبلغ الذي أراد الله تعالى. وقيل : سميت سورة لأنها وصفت بالعلو والرفعة ، كما أن سور المدينة سمّي سورا لارتفاعه. قال النابغة :
ألم تر أن الله أعطاك سورة |
|
ترى كل ملك دونها يتذبذب |
أي شرفا ورفعة. وقيل سميت سورة لإحاطتها بما فيها من الآيات كما أن سور المدينة محيط بمساكنها وأبنيتها. وجمع سورة القرآن سور بفتح الواو مثل «جملة وجمل» ، وجمع سورة البناء «سور» بالسكون مثل «صوفة وصوف». ومن همز «سورة» جعلها من أسأرت في الإناء سؤرا أي أفضلت منه بقية ، ومنه «سؤر الدواب» إذ كلها قطعة من القرآن على حدة.
وأما الآية فقد قال جمع من العلماء : إنها في القرآن عبارة عن كلام متصل إلى انقطاعه وانقطاع معناه «فصلا فصلا» ، ولا يخفى توقف الآية على التوقيف. وقال غيرهم : معناها العلامة ، لأنها تدل على نفسها بانفصالها عن الآية المتقدمة عليها والمتأخرة عنها. وقيل معناه «جماعة حروف» من قولهم : «خرج القوم بآيتهم» ، أي بجماعتهم ولم يدعوا وراءهم شيئا. وقيل : معناها «العجيبة» لأنها عجيبة لمباينتها كلام المخلوقين من قولهم : «فلان آية من الآيات» واختلف في وزنها ، فقال الفراء : وزنها «فعلة» بالفتح وبسكون العين ، وأصلها «أية» فاستثقلوا التشديد فأتبعوه الفتحة التي قبله ؛ وقال الخليل وأصحابه : وزنها «فعلة» بالفتح والأصل «أيية» قلبت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ، وقال الكسائي : أصلها «آيية» «فاعلة» كضاربة وكان يلزمه للياءين الإدغام على نحو «دابة وخاصة» ويكون مستثقلا فحذفوا إحدى الياءين.
وأما الكلمة ، فإن تراكيب ك ل م تفيد القوة والشدة وتقاليب هذه الحروف الثلاثة بحسب الاشتقاق الكبير ستة ، واحد مهمل والبواقي معتبرة ؛ منها «ك ل م» فمنه الكلام لأنه يقرع السمع ويؤثر فيه ، وأيضا يؤثر في الذهن بواسطة إفادة المعنى ، ومنه الكلم للجرح وفيه شدة ؛ ومنها «ك ل م» لأن الكامل أقوى من الناقص ؛ ومنها «ل ك م» ومعنى الشدة فلي اللاكم واضح ، ومنها «م ك ل» ومنه «بئر مكول» إذا قلّ ماؤها ، وإذا كان كذلك كان ورودها مكروها فيحصل نوع شدة عند ورودها ، وأيضا إنها تدل على شدة منابعها ؛ ومنها «م ل ك»