بالتخفيف حذف المد كما يقال مفاتح (وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ) كالمحقق لما تقدمه من قوله (لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلَّا أَمانِيَ) ذكر الفرقة الضالة المضلة المحرفة ، ثم الفرقة المنافقين منهم ، ثم الفرقة المجادلة لأهل النفاق ، ثم العوام المقلدة ، ونبه على أنهم في الضلال سواء ، لأن للعالم أن يعمل بعلمه وعلى العامي أن لا يرضى بالتقليد والظن إن كان متمكنا من العلم ولا سيما في أصول الدين ، الويل كلمة يقولها كل مكروب ، وعن ابن عباس : أنه العذاب الأليم. وعن الثوري : صديد أهل الجحيم. وعن رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «واد في جهنم يهوي فيه الكافر أربعين خريفا قبل أن يبلغ قعره» (١). وقال عطاء بن يسار : الويل واد في جهنم ، لو أرسلت فيه الجبال لماعت من حره. ولا شبهة في دلالتها على نهاية الوعيد والتهديد (يَكْتُبُونَ الْكِتابَ) المحرف (بِأَيْدِيهِمْ) تأكيد كما تقول للمنكر هذا ما كتبته بيمينك. حكى عنهم أمرين : كتبة الكتاب وإسناده إلى الله. فالوعيد مرتب على كل منهما وعلى مجموعهما إلا أنه على الثاني أبلغ ولهذا جيء بـ «ثم» وقوله (لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً) تنبيه على شقاوتهم ، فإنهم استبدلوا النفع الحقير العاجل الزائل بالأجر العظيم الآجل الدائم (فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ) أي مما أسلفت من كتبها ما لم يكن يحل لهم (وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ) بذلك بعد من الرشا على التحريف وفي إعادة الويل في الكسب دليل على أن الوعيد كما يلحقهم بسبب الكتبة وإسنادها إلى الله ، فكذلك يلحقهم بسبب أخذ المال عليه ليعلم أن أخذ المال على الباطل محرم وإن كان بالتراضي (وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ) نوع آخر من قبائح أفعالهم وهو جزمهم بأن الله تعالى لا يعذبهم إلا أياما معدودة قليلة ، وهذا الجزم مما لا سبيل إليه بالعقل البتة ، ولا دليل له سمعيا فلا يجزم به عاقل. والأيام المعدودة قالوا : أربعون يوما هي أيام عبادة العجل. وعن مجاهد قالوا : مدة الدنيا سبعة آلاف سنة ، وإنما نعذب مكان كل ألف سنة يوما لأن يوما عند الله ألف سنة. وأيام معدودة ومعدودات كلاهما فصيح مثل الأيام مضت ومضين. والعهد هاهنا يجري مجرى الوعد والخبر ، لأن خبره سبحانه كالعهود المؤكدة منا بالقسم والنذر. و (أَتَّخَذْتُمْ) استفهام بطريق الإنكار ، وإنه يدل على عدم الدليل السمعي. (فَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ عَهْدَهُ) لتنزهه سبحانه عن كل نقيصة وخلاف الخبر أنقص النقائص. فإن قيل : هب أن الخلف في الوعد لؤم ونقيصة ، لكنه في الوعيد كرم ولطف. قلنا : الخلف من حيث هو كذب قبيح لا يجوّزه كامل ، ولعل للكرم
__________________
(١) رواه الترمذي في كتاب تفسير سورة ٢١ باب ١. أحمد في مسنده (٣ / ٧٥).