القرينة. وقوله (لِلْكافِرِينَ) من وضع الظاهر موضع المضمر دلالة على أن عداوة هؤلاء كفر. الآيات البينات هي آيات القرآن ، ولا يبعد أن تشمل سائر معجزاته وإن كان لفظ الإنزال نابيا عنه بعض النبوّ. ومعنى كون الآية بينة أن العلوم تنقسم إلى ما يكون طريق تحصيله ، والدليل الدال عليه أكثر مقدمات فيكون الوصول إليه أصعب ، وإلى ما يكون أقل مقدمات فيكون الوصول إليه أقرب وهذا هو الآية البينة. والكفر بها إما جحودها مع العلم بصحتها ، وإما جحودها مع الجهل وترك النظر فيها والإعراض عن دلائلها ، وليس في الظاهر تخصيص فيدخل الكل فيه ، والفسق هو خروج الإنسان عما حد له إلى الفساد ويقرب منه الفجور ، لأنه مأخوذ من فجور السد الذي يمنع الماء من أن يصير إلى الموضع الذي يفسد. عن الحسن : إذا استعمل الفسق في نوع من المعاصي وقع على أعظم ذلك النوع من كفر وغيره. ولهذا لا يوصف صاحب الصغيرة بالفسق وإن تجاوز عن أمر الله تعالى كمن فتح من النهر نقبا صغيرا لا يقال : إنه فجر النهر. وفي قوله (إِلَّا الْفاسِقُونَ) وجهان : أحدهما أن كل كافر فاسق ولا ينعكس ، وكان ذكر الفاسق أولى ليأتي على الكافر وغيره. الثاني أن المراد وما يكفر بها إلا الكافر المتجاوز عن كل حد في كفره. وهذه الآيات لما كانت بينة لم يكفر بها إلا الكافر الذي بلغ في الكفر النهاية القصوى ، وهذا نوع آخر من فضائح اليهود. عن ابن عباس أنهم كانوا يستفتحون على الأوس والخزرج برسول الله صلىاللهعليهوسلم قبل مبعثه ، فلما بعث صلىاللهعليهوسلم من العرب كفروا به وجحدوا بما كانوا يقولون فيه فقال لهم معاذ بن جبل : يا معشر اليهود اتقوا الله وأسلموا فقد كنتم تستفتحون علينا بمحمد صلىاللهعليهوسلم ونحن أهل الشرك ، وتخبروننا أنه مبعوث وتصفون لنا صفته. فقال بعضهم : ما جاءنا بشيء من البينات وما هو بالذي كنا نذكر لكم فنزلت. واللام في (الْفاسِقُونَ) للجنس أو إشارة إلى أهل الكتاب. (أَوَكُلَّما) الواو للعطف على محذوف معناه أكفروا بالآيات البينات؟ وكلما عاهدوا واليهود موسومون بالغدر ونقض العهود وكم أخذ الله الميثاق منهم ومن آبائهم فنقضوا ، وكم عاهدهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم فلم يفوا الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة. وفيه تسلية لرسول الله صلىاللهعليهوسلم لأن من يعتاد منه هذه الطريقة لا يصعب على النفس من مخالفته كصعوبة من لم تجر عادته بذلك. والنبذ الرمي بالذمام ورفضه ، وإنما قيل (فَرِيقٌ مِنْهُمْ) لأن منهم من لم ينقض بل أكثرهم لا يؤمنون بالتوراة وليسوا من الدين في شيء ، فلا يعدون نقض المواثيق ذنبا. (وَلَمَّا جاءَهُمْ رَسُولٌ) أي كتاب لتلازمهما بدليل كتاب الله وهو القرآن ، نبذوه بعد ما لزمهم تلقيه بالقبول كأنهم لا يعلمون أنه كتاب الله ، يعني أن علمهم بذلك رصين من قبل التوراة ولكن المكابرة هجيراهم ، ونبذه وراء ظهورهم مثل لإعراضهم عنه وتركهم العمل به. وقيل : كتاب الله التوراة لأنهم لكفرهم برسول الله كافرون بها. وعن سفيان : أدرجوه في