مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي) [البقرة : ٩٤٢] ويقال : هذه الواقعة كانت في زمان إدريس لأنهما إذا كانا ملكين نزلا بصورة البشر لهذا الغرض ، فلا بد من رسول في وقتهما ليكون ذلك معجزة له ، ولا يجوز كونهما رسولين لأن رسول الإنس ثبت أنه لا يكون إلا منهم.
قوله تعالى (وَما يُعَلِّمانِ) أي وما يعلم الملكان أحدا حتى ينهياه وينصحاه ويقولا له (إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ) ابتلاء واختبار من الله (فَلا تَكْفُرْ) بأن تتعلمه معتقدا له أنه حق أو متوصلا به إلى شيء من المعاصي والأعراض العاجلة (فَيَتَعَلَّمُونَ) الضمير لما دل عليه العموم في (مِنْ أَحَدٍ) أي فيتعلم الناس من الملكين (ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ) إما لأنه إذا اعتقد أن السحر حق كفر فبانت منه امرأته ، وإما لأنه يفرّق بينهما بالتمويه والاحتيال كالنفث في العقد ونحو ذلك مما يحدث الله عنده الفرك والنشوز ابتلاء منه ، لا أن السحر له أثر في نفسه بدليل قوله (وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) بإدارته وقدرته ، لأن إن شاء أحدث عند ذلك شيئا من أفعاله وإن شاء لم يحدث ، وكان الذي يتعلمونه منهما لم يكن مقصورا على هذه الصورة ، ولكن سكون المرء وركونه إلى زوجه لما كان أشد خصت بالذكر ليدل بذلك على أن سائر الصور بتأثير السحر فيها أولى وقرأ الأعمش (وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ) فجعل الجارّ جزءا من المجرور وهو «أحد» وأضاف إلى المجموع وفصل بينهما بالظرف. ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم لأنهم يستعملونه في وجوه المفاسد (وَلَقَدْ عَلِمُوا) علم هؤلاء اليهود اللام فيه للابتداء وكذا في (لَمَنِ اشْتَراهُ) استبدل ما تتلو الشياطين واختاره على كتاب الله (ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ) من نصيب كأنه قدر له هذا المقدار ، وقيل : الخلاق الخلاص. وقيل معنى الآية أن الملكين إنما قصدا بتعليم السحر الاحتراز عنه ليصل بذلك الاحتراز إلى منافع الآخرة ، فلما استعمل السحر للدنيا فكأنه اشترى بمنافع الآخرة منافع الدنيا (وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ) أي باعوها والمخصوص محذوف وهو السحر أو منافع الدنيا ، وجواب «لو» محذوف يدل عليه ما قبله أي لو كانوا يعلمون لعلموا قبح ما شروا. ويجوز أن يكون «لو» للتمني مجازا كما تقدم من الترجي في (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) وحينئذ لا يحتاج إلى الجواب. بقي هاهنا سؤال وهو أنه كيف أثبت لهم العلم أولا في قوله (وَلَقَدْ عَلِمُوا) على سبيل التوكيد بالقسم إجمالا ثم نفاه عنهم في قوله (لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ)؟ فإن «لو» لامتناع الثاني لامتناع الأول ، وكذا لو كان للتمني فإن التمني استدعاء أمر هو كالممتنع. والجواب أن الذين علموا غير الذين لم يعلموا ، فالذين علموا هم الذين علموا السحر ودعوا الناس إلى تعلمه ونبذوا كتاب الله وراء ظهورهم ، والذين لا يعلمون هم الجهال الذين يرغبون في تعلم السحر. سلمنا أن القوم واحد ، ولكنهم علموا