(فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا) [التوبة : ٢٨] والمراد ـ والله أعلم ـ منعهم من الحج وحضور مواضع النسك ، ويحتمل أن يكون المراد جعلنا البيت سبب الأمن ، وعلى هذا يكون البيت نفس الكعبة ، وعلى الأول يكون معنى (أَمْناً) موضع أمن كقوله (حَرَماً آمِناً) [القصص : ٥٧] والمثابة المباءة والمرجع قيل : إن مثابا ومثابة لغتان مثل مقام ومقامة. وقيل : التاء للمبالغة كعلامة. عن الحسن : أي يثوبون إليه في كل عام. وعن ابن عباس ومجاهد : لا ينصرف عنه أحد إلا وهو يتمنى العود إليه وذلك لدعاء إبراهيم عليهالسلام (فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ) [إبراهيم : ٣٧] وقيل : مثابة أي يحجون فيثابون عليه. وكون البيت مثابة إنما يكون بجعل الله تعالى بناء على أن فعل العبد مخلوق لله ، أو بأن الله تعالى ألقى تعظيمه في القلوب ليصير ذلك داعيا لهم إلى العود إليه مرة بعد أخرى وذلك لمنافع دينية ودنيوية ، قال صلىاللهعليهوسلم «من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه» (١) وقال : «العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة» (٢) ثم إن قطان الخافقين يجتمعون هناك للتجارات وضروب المكاسب فيعظم فيه النفع لمن أراد ولا شك أن قوله (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً) [البقرة : ١٢٥] خبر فتارة تتركه على ظاهره وتقول إنه خبر بأن يكون (حَرَماً آمِناً يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ) [القصص : ٥٧] لا أن يكون إخبارا عن عدم وقوع القتل فيه أصلا ، فإن الموجود بخلافه فقد يقع القتل الحرام وكذا المباح قال تعالى (وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ) [البقرة : ١٩١] وتارة تصرفه عن ظاهره وتقول. إنه أمر بأن يجعلوا ذلك الموضع أمنا من الغارة والقتل قال صلىاللهعليهوسلم «إن الله حرم مكة وإنها لم تحل لأحد قبلي وإنما أحلت لي ساعة من نهار» (٣) وقد عادت حرمتها كما كانت ، فذهب الشافعي إلى أن المعنى أنها لم تحل لأحد أن ينصب الحرب عليها وأن ذلك أحل لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فأما من دخل البيت من الذين وجبت عليهم الحدود فقال الشافعي : إن الإمام يأمر بالضيق عليه
__________________
(١) رواه البخاري في كتاب الحج باب ٤. مسلم في كتاب الحج حديث ٤٣٨. الترمذي في كتاب الحج باب ٢. النسائي في كتاب الحج باب ٤. ابن ماجه في كتاب المناسك باب ٣. الدارمي في كتاب المناسك باب ٧.
(٢) رواه البخاري في كتاب العمرة باب ١. مسلم في كتاب الحج حديث ٤٣٧. الترمذي في كتاب الحج باب ٨٨. النسائي في كتاب المناسك باب ٣. ابن ماجة في كتاب المناسك باب ٣.
(٣) رواه الترمذي في كتاب العلم باب ٣٧. الترمذي في كتاب الحج باب ١. ابن ماجه في كتاب المناسك باب ١٠٣. أحمد في مسنده (١ / ٢٥٣).