يا طلابي وزواري كما ترجعون إلى الكعبة في الصورة ، ومأمنا للسالك من تصرفات الشيطان ومكايده حين بلغ منزل القلب ، لأن القلب خزانة الحق محروسة من دخول الشيطان. وإنما جولان لص الشيطان في ميادين الصدور كقوله (يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ) [الناس : ٥] (وَاتَّخِذُوا) [البقرة : ١٢٥] عند الوصول إلى كعبة القلب (مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ) [البقرة : ١٢٥] وهو الخلة قبلة توجهكم ليكون قصدكم إلي لا إلى غيري كما قال إبراهيم (إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ) [الصافات : ٩٩] (وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ) [البقرة : ١٢٥] في الميثاق (أَنْ طَهِّرا) القلب من أدناس تعلقات الكونين وأوضار ملاحظة الأغيار (لِلطَّائِفِينَ) [البقرة : ١٢٥] وهي واردات الأحوال (وَالْعاكِفِينَ) [البقرة : ١٢٥] وهي الملكات والمقامات (وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) [البقرة : ١٢٥] وهي صفات القلب المطهرة من الإرادة والصدق والإخلاص والتواضع والخوف والرجاء والتسليم والرضا والتوكل. وجملة هذه الصفات العبودية (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ) [البقرة : ١٢٦] الآية لما أهبط آدم الروح إلى الأرض الجسد وفقد ما كان يجد من روائح ألطاف الحق في جنة حظيرة القدس استوحش ، فأنزل الله تعالى ياقوتة القلب من جنة حظيرة القدس له بابان شرقي إلى حظيرة رب العالمين تطلع منها شوارق الألطاف ، وباب غربي إلى عالم الجسد وفيه قناديل العقل ، وأنزل حجر الذرة المخاطبة بخطاب (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ) [الأعراف : ١٧٢] منورا بنور جواب (بَلى) قد ألقم كتاب العهد يوم الميثاق وهو يمين الله في أرضه ، فلما كان طوفان آفات الصفات البشرية من الطفولية إلى البلوغ ، وفار تنور الشهوات رفع بيت معمور القلب إلى السماء الرابعة يعني حجب أستار خواص العناصر الأربع ، وخبىء حجر الذرة في أبي قبيس صفات النفس ، فلما أمر إبراهيم الروح بعد البلوغ ببناء بيت القلب وعمارته من خمس أجبل أركان الإسلام وقد اهتدى إلى موضع بيت القلب بدلالة بيت السكينة (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ) [الفتح : ٤] فجعل إسماعيل النفس المطمئنة يجيء بأحجار أعمال الشريعة من جبال أركان الإسلام ويناولها إبراهيم الروح وهو يبني إلى أن بلغ موضع الحجر فنودي من أبي قبيس الهوى إن لك عندي وديعة فخذها. فخلص حجر الذرة من أستار صفات النفس والهوى فوضعه مكانه ، وكان أبيض فلما لمسته حيض اللذات الدنيوية ومشركو الشهوات النفسانية في جاهلية الطفولية اسودّ ، فلما فرغا من رفع قواعد بيت القلب سألا ربهما الاستسلام لأحكامه الظاهرة الشرعية والباطنة التي جف القلم بها في الأزل ، وكذا لذريتهما المتولدات من الصفات الروحانية والنفسانية وأن يبعث فيهم رسولا منهم لا من الخارج ، فمن لم يكن له في القلب رسول وارد من الحق وهو السر لم يسمع كلام الرسول لخارجي. ثم إن إبراهيم الروح يوصي لمتولداته من القلب وصفاته والسر وصفاته