ولنمكننك من استقبالها من قولهم «وليته كذا» جعلته واليا له ، أو فلنجعلنك تلي سمتها دون سمت بيت المقدس. ترضاها تحبها وتميل إليها لأغراضك الصحيحة التي أضمرتها ووافقت مشيئة الله تعالى وحكمته. وعن الأصم : كل جهة وجهك الله إليها يجب أن تكون رضا لا تسخطها كما فعل من انقلب على عقبيه. وقيل : ترضى عاقبتها لأنك تميز بها الموافق عن المنافق. (فَوَلِّ وَجْهَكَ) أي كل بدنك لأن الواجب على الشخص أن يستقبل القبلة بجملته لا بوجهه فقط. وإنما خص الوجه بالذكر لأنه أشرف الأعضاء وبه تتميز الأشخاص. وشطر المسجد الحرام أي نحوه وجهته قاله جمهور المفسرين من الصحابة والتابعين ومن بعدهم. وعن بعضهم أن الشطر نصف الشيء والكعبة واقعة من المسجد في النصف من جميع الجوانب ، فاختبر هذه العبارة ليعرف أن الواجب هو التوجه إلى بقعة الكعبة ، وزيف بالفرق بين النصف وبين المنتصف والمكلف مأمور بالثاني دون الأول. عن ابن عباس : بينما الناس بقباء في صلاة الصبح إذ جاءهم آت فقال : إن النبي قد أنزل عليه الليلة قرآن ، وقد أمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها ، وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة. وفي الموطأ : صلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم بعد أن قدم المدينة ستة عشر شهرا نحو بيت المقدس ثم حوّلت القبلة قبل بدر بشهرين. واختلفوا في المراد بالمسجد الحرام. ففي شرح السنة عن ابن عباس أنه قال : البيت قبلة لأهل المسجد ، والمسجد قبلة لأهل الحرم ، والحرم قبلة لأهل المشرق والمغرب ، وهذا قول مالك. وقال آخرون : القبلة هي الكعبة لما أخرج في الصحيحين عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال : أخبرني أسامة بن زيد قال : لما دخل النبي صلىاللهعليهوسلم البيت دعا في نواحيه كلها ولم يصل حتى خرج منه ، فلما خرج ركع ركعتين في قبل الكعبة وقال : هذه القبلة. وقد وردت أخبار كثيرة في صرف القبلة إلى الكعبة كما قلنا في حديث ابن عمر ، فاستداروا إلى الكعبة. وقال آخرون : القبلة هي المسجد الحرام كله.
واعلم أن الواجب عند الشافعي في أظهر قوليه أن يستقبل المصلي عين الكعبة قريبا كان أو بعيدا لظاهر قوله تعالى (وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) ولقوله صلىاللهعليهوسلم : «هذه القبلة» مشيرا به إلى العين ، ولأن تعظيم الكعبة من النبي صلىاللهعليهوسلم بلغ مبلغ التواتر. وتوقيف صحة الصلاة وهي من أعظم شعائر الدين على استقبال عين الكعبة مما يوجب مزيد شرف الكعبة ، فوجب أن يكون مشروعا. ولأن كون الكعبة قبلة أمر معلوم وغيره مشكوك فيه والأخذ بالمعلوم أحوط. وأما عند أبي حنيفة ويوافقه القول الآخر للشافعي ، فمحاذاة جهة الكعبة كافية لأن في استقبال عين الكعبة حرجا عظيما للبعيد ، ولأن في ذكر المسجد