ولأن الصوم من الصبر قال تعالى في الحديث القدسي «الصوم لي» فأضافه إلى نفسه ووعد الصابرين بأنه معهم فقال (وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [الأنفال : ٤٦] وعلق النصرة بالصبر فقال (إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ) [آل عمران : ١٢٥] وجمع للصابرين أمورا لم يجمعها لغيرهم (أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) وقال صلىاللهعليهوسلم «الصبر نصف الإيمان» لأن الإيمان لا يتم إلا بترك ما لا ينبغي ، والإتيان بما ينبغي والاستمرار على كل منهما إنما يتأتى بالصبر. فكل الإيمان صبر إلا أن كل واحد منهما قد يكون مطابقا لمقتضى الشهوة فلا يحتاج فيه إلى الصبر ، فلهذا عاد إلى النصف. وقد جاء «الإيمان هو الصبر» وذلك كقوله «الحج عرفة» (١)وعن النبي صلىاللهعليهوسلم «من أفضل ما أوتيتم اليقين وعزيمة الصبر» وقال : «يؤتى بأشكر أهل الأرض فيجزيه الله جزاء الشاكرين ويؤتى بأصبر أهل الأرض فيقال له أترضى أن نجزيك كما جزينا هذا الشاكر فيقول نعم يا رب فيقول تعالى لقد أنعمت عليه فشكر وابتليتك فصبرت لأضعفنّ لك الأجر فيعطى أضعاف جزاء الشاكرين» ومن فضيلة الصبر أن قال صلىاللهعليهوسلم : «الطاعم الشاكر بمنزلة الصائم الصابر» (٢) فإن المشبه به يجب أن يكون أقوى كما قال «شارب الخمر كعابد الوثن» (٣) وروي أن سليمان يدخل الجنة بعد الأنبياء بأربعين خريفا لمكان ملكه ، وآخر أصحابي دخولا الجنة عبد الرحمن بن عوف لمكان غناه. وفي الخبر : أبواب الجنة كلها مصراعان إلا باب الصبر فإنه مصراع واحد. وأول من يدخله أهل البلاء إمامهم أيوب. ثم إن الله تعالى بيّن أن الإنسان كيف يكون صابرا وأنه متى يستحق البشارة فقال (الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ) هي من الصفات الغالية التي لا تكاد تستعمل موصوفاتها وتختص من بين ما يصيب الإنسان بحالة مكروهة كالنازلة والواقعة والملمة ، وإنما نكرت لتشمل كل مضرة تناله من قبل الأسباب السماوية والأرضية المنتهية إلى مسبب الأسباب بواسطة ظاهرة أو خفية (قالُوا : إِنَّا لِلَّهِ) إقرار بالعبودية (وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ) تفويض للأمر إليه كما يقال : إن الملك والدولة رجع إلى فلان لا يراد الانتقال بل القدرة وترك المنازعة (إِنَّا لِلَّهِ) اعتراف منا له بالملك (وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ) إقرار على
__________________
(١) رواه الترمذي في كتاب تفسير سورة البقرة باب ٢٢. أبو داود في كتاب المناسك باب ٦٨. ابن ماجه في كتاب المناسك باب ٥٧. الدارمي في كتاب المناسك باب ٥٤ بلفظ «الحج عرفات».
(٢) رواه ابن ماجه في كتاب الصيام باب ٥٥. الترمذي في كتاب القيامة باب ٤٣. الدارمي في كتاب الأطعمة باب ٤. أحمد ، في مسنده (٢ / ٢٨٣ ، ٢٨٩).
(٣) رواه ابن ماجه في كتاب الأشربة باب ٣.