لعنهم الله حتى قرأ الحسن (وَالْمَلائِكَةِ) وما بعده بالرفع (فِيها) ج لأن ما بعده حال بعد حال واستئناف إخبار (يُنْظَرُونَ) ه.
التفسير : إن في تعليق الآية بما قبلها وجوها منها : أن السعي بين الصفا والمروة من شرائع إبراهيم عليهالسلام كما مر في قصة هاجر ، فذكر عقيب تحويل القبلة الذي فيه إحياء شرع إبراهيم. ومنها أنه من آثار هاجر وإسماعيل ، وفيه تذكير لما جرى عليهما من البلوى وحسن عاقبتهما ، فناسب أن يردف آية الابتلاء ليعلم أن من صبر على البلوى نال الدرجة العليا في الدنيا والعقبى. ومنها أن أقسام التكاليف ثلاثة : أولها ما يهتدي العقل إلى حسنه كشكر المنعم وذكره وأشير إلى ذلك بقوله (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي) [البقرة : ١٥٢] وثانيها ما ركز في العقول قبحه والنفور عنه كالآلام والفقر والمحن فإنه تعالى يتألم منه إلا أن الشرع لما ورد به وبين الحكمة فيه وهي الابتلاء والامتحان فحينئذ يعتقد المسلم حسنه وكونه حكمة وصوابا وذلك قوله (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ) [البقرة : ١٥٥] الآية ، وثالثها ما ليس يهتدي العقل إلى حسنه ولا إلى قبحه بل يراه كالعبث الخالي عن المنفعة والمضرة فيأتي به تعبدا محضا وهو أكثر أفعال الحج من السعي ورمي الجمار ونحوهما ، فذكرت طرق من هذا القسم عقيب القسمين الأولين تتميما للأحكام واستيفاء لجميع الأقسام. والصفا والمروة هكذا باللام علمان للجبلين المعروفين بمكة ـ زادها الله شرفا. والصفاة في اللغة صخرة ملساء وفي المثل «ما تندى صفاته» والجمع صفا مقصور وأصفاء وصفي على «فعول» وإذا نعتوا الصخرة قالوا «صفاة صفواء» وإذا ذكروا قالوا «صفا صفوان» قال تعالى (كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ) [البقرة : ٢٦٤] وعن الأصمعي : المرو حجارة بيض براقة يقدح منها النار ، الواحدة مروة. والشعائر جمع شعيرة وهي العلامة. وذلك أن السعي بين الجبلين من أعلام دين الله ، أو هما من متعبداته. وقد شرعه الله تعالى لأمة محمد صلىاللهعليهوسلم ولإبراهيم عليهالسلام قبل ذلك كما مر قوله (وَأَرِنا مَناسِكَنا) [البقرة : ١٣٨] وليس السعي عبادة تامة في نفسه وإنما يصير عبادة إذا كان بعضا من أبعاض الحج فلهذا قرن بقوله (فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ) والحج لغة القصد. رجل محجوج أي مقصود وهو أيضا كثرة الاختلاف والتردد ، وحج فلان فلانا إذا أطال الاختلاف إليه. ثم غلب استعماله في القصد إلى مكة للنسك. والحاج يأتي البيت أولا ليعرفه ثم يعود إليه للطواف ثم ينصرف إلى منى ثم يعود إليه لطواف الزيارة ثم يعود إليه لطواف الصدر. ومنه محجة الطريق لكثرة تردد الناس فيها. والاعتمار لغة الزيارة. فالمعتمر يطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة ثم ينصرف كالزائر يزور ثم ينصرف.