لأن وجوب الإظهار دل على وجوب العمل بالذي أظهر لاسيماوقد قالإِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا) فحكم بوقوع البيان بخبرهم. واستدل بالآية أيضا على عدم جواز أخذ الأجرة على التعليم لأنها دلت على وجوب التعليم ولا أجرة على أداء الواجب. وقيل في الكتاب أي في التوراة والإنجيل من نعت الرسول ومن الأحكام. والمعنى أنا لخصناه بحيث لم ندع فيه موضع إشكال فعمدوا إلى ذلك المبين الملخص فكتموه ولبسوا على الناس. وقيل : أراد بالمنزل الأول كتب الأولين وبالهدى القرآن (أُولئِكَ) تبعيد لهم عن درجة الاعتبار (يَلْعَنُهُمُ اللهُ) يبعدهم عن كل خير (وَيَلْعَنُهُمُ) يدعو عليهم باللعن (اللَّاعِنُونَ) الذين يتأتى منهم اللعن ويعتدّ بلعنهم من الملائكة وصالحي الثقلين. وقيل : يدخل فيهم دواب الأرض وهوامها فإنها تقول : منعنا القطر بشؤم معاصي بني آدم. واللاعنون دون اللاعنات تغليب للعقلاء : وإذا قيل : هم الهوام فقط فالتذكير لأنه تعالى وصفهم بصفات العقلاء مثل (وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ) [يوسف : ٤] (يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ) [النمل : ١٨] (وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ) [فصلت : ٢١] وقيل : كل شيء سوى الثقلين بتقدير أنها لو كانت عاقلة كانت تلعنهم ، أو لأنها في الآخرة إذا أعيدت وجعلت من العقلاء فإنها تلعن من فعل ذلك في الدنيا ومات عليه. وقيل : إن أهل النار يلعنونهم أيضا لأنهم كتموهم الدين (كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها) [الأعراف : ٣٨] وعن ابن مسعود : إذا تلاعن المتلاعنان وقعت اللعنة على المستحق ، فإن لم يكن مستحق رجعت على اليهود الذين كتموا ما أنزل الله سبحانه. وعن ابن عباس : أن لهم لعنتين : لعنة الله ولعنة الخلائق. قال : وذلك إذا وضع الرجل في قبره فيسأل ما دينك ومن نبيك ومن ربك؟ فيقول : لا أدري. فيضرب ضربة يسمعها كل شيء إلا الثقلين فلا يسمع شيء صوته إلا لعنه ويقول له الملك : لا دريت ولا تليت (إِلَّا الَّذِينَ) استثناء منهم ، وفيه من الرحمة ما فيه. وقد مر أن التوبة عبارة عن الندم على فعل القبيح لقبحه لا لغرض سواه ، فإن من ترك رد الوديعة ثم ندم لأن الناس لاموه أو لأن الحاكم رد شهادته لم يكن تائبا (وَأَصْلَحُوا) ما أفسدوا من أحوالهم وتداركوا ما فرط منهم (وَبَيَّنُوا) ما كتموه أو بينوا للناس ما أحدثوه من توبتهم ليعرفوا بضد ما كانوا يعرفون به ويقتدى بهم غيرهم من المفسدين (فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ) أقبل توبتهم بأن أسقط عنهم تجملا وأضع مكانه الثواب تفضلا بدلالة قوله (وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا) عام في كل من كان كذلك. وقيل : مخصوص بهؤلاء الكاتمين. ذكر لعنتهم أحياء ثم لعنتهم أمواتا إذا لم يتوبوا على هذا القول يكون إطلاق الكفر عليهم ـ وهم من أصحاب الكبائر ـ مجازا