(شَهْرُ رَمَضانَ) وهذا ترتيب في غاية الحسن من غير زيادة ولا نقصان. وأجيب عن استدلالهم الأول بأنه ليس في الخبر أنه نسخ عنه وعن أمته كل صوم فلم لا يجوز أن يراد به نسخ كل صوم وجب الشرائع المتقدمة. سلمنا أن المراد به صوم ثبت في شرعه ولكن لم لا يجوز أن يكون ناسخا لصيام وجب بغير هذه الآية. وعن الثاني أن صوم رمضان كان واجبا مخيرا ، وفي الآية الثانية جعل واجبا على التعيين ، فأعيد حكم المريض والمسافر ليعلم أن حالهما ثانيا في رخصة الإفطار ووجوب القضاء كحالهما أولا. وعن الثالث أن الاختلاف مسلم لكن في التخيير والتعيين ، أما في نفس الصوم فلا. وهاهنا سؤال وهو أن قوله (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) كيف كان ناسخا للتخيير مع اتصاله بالمنسوخ؟ والجواب أن الاتصال في التلاوة لا يوجب الاتصال في النزول ، بل المقدم في التلاوة يمكن أن يكون ناسخا والمتأخر منسوخا كآية الاعتداد بالحول. وهكذا نجد في القرآن آية مكية متأخرة في التلاوة عن الآية المدنية وذلك كثير. قال القفال : انظروا إلى عجيب ما نبه الله عليه من سعة فضله ورحمته في هذا التكليف ، فبين أولا أن لهذه الأمة في هذا التكليف أسوة بالأمم السالفة ، فإن الأمور الشاقة إذا عمت خفت. ثم بين ثانيا وجه الحكمة في إيجاب الصوم وحصول التقوى. ثم بين ثالثا أنه مختص بأيام قلائل لا بكلها ولا بأكثرها. ثم بين رابعا أنه خصه من الأوقات بالشهر الذي أنزل فيه القرآن ليعلم شرفه فتوطن النفس له. ثم ذكر خامسا إزالة المشقة في إلزامه فأباح تأخيره لمن شق عليه من المسافرين والمرضى إلى زمن الرفاهية والصحة وهي هيئة يكون بها بدن الإنسان في مزاجه وتركيبه بحيث يصدر عنها الأفعال كلها سليمة والمرض زوالها. واختلف الأئمة في المرض والسفر المبيحين للإفطار على أقوال : أحدها أن أيّ مريض كان ، وأيّ مسافر كان ، فله أن يترخص تنزيلا للفظ المطلق على أقل أحواله ، وهذا قول الحسن وابن سيرين. يروى أنه دخل عليه في رمضان وهو يأكل فاعتل بوجع أصبعه. وعن داود : الرخصة حاصلة في كل سفر ولو كان فرسخا. وثانيها أنه المرض الذي لو صام لوقع في مشقة وجهد وكذا السفر وهو قول الأصم. وحاصله تنزيل اللفظ على أكمل أحواله. وثالثها وهو قول الشافعي وأكثر الفقهاء أنه الذي يؤدي إلى ضرر في النفس أو زيادة في العلة إذ لا فرق في العقل بين ما يخاف منه وبين ما يؤدي إلى ما يخاف منه كالمحموم إذا خاف أنه لو صام اشتد حماه ، والأرمد يخاف أن يشتد وجع عينه. قالوا : وكيف يمكن أن يقال : كل مرض مرخص مع علمنا بأن في الأمراض ما ينفعه الصوم؟ فالمراد إذن منه ما يؤثر الصوم في تقويته تأثيرا يعتد به والتأثير اليسير لا عبرة به. والمرض المرخص لا يفرق فيه بين أن يعرف كونه كذلك بنفسه أو