يخبره بذلك طبيب حاذق بشرط كونه مسلما بالغا عدلا. وأصل السفر من الكشف لأنه يكشف عن أحوال الرجال وأخلاقهم. وعن الأزهري : سمي مسافرا لكشف قناع الكن عن وجهه وبروزه للأرض الفضاء. قال الأوزاعي : السفر المبيح مسافة يوم. وعند الشافعي مقدر بستة عشر فرسخا ولا يحسب منه مسافة الإياب. كل فرسخ ثلاثة أميال بأميال هاشم جد رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وهو الذي قدر أميال البادية ، كل ميل اثنا عشر ألف قدم وهي أربعة آلاف خطوة. وإلى هذه ذهب مالك وأحمد وإسحق ، وذلك أن تعب اليوم الواحد يسهل تحمله بخلاف ما إذا تكرر في يومين فحينئذ يناسب الرخصة ، ولما روى الشافعي عن ابن عباس أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال «يا أهل مكة لا تقصروا في أدنى من أربعة برد من مكة إلى عسفان» قال أهل اللغة : كل بريد أربعة فراسخ. وروى الشافعي أيضا أن عطاء قال لابن عباس : أقصر إلى عرفة؟ فقال : لا فقال : إلى مرّ الظهران؟ فقال : لا. ولكن اقصر إلى جدّة وعسفان والطائف. قال مالك : بين مكة وجدة وعسفان أربعة برد. وقال أبو حنيفة والثوري : رخصة السفر لا تحصل إلا في ثلاث مراحل ، أربعة وعشرين فرسخا قياسا على المسح. والإجماع على الرخصة في هذا المدة والخلاف فيما دون ذلك فيبقى المختلف فيه على أصل وجوب الصوم. وأجيب بأن قوله صلىاللهعليهوسلم «يمسح المقيم يوما وليلة» (١) لا يدل على أنه لا تحصل الإقامة في أقل من يوم وليلة ، لأنه لو نوى الإقامة في موضع الإقامة ساعة يصير مقيما. وكذا قوله صلىاللهعليهوسلم «والمسافر ثلاثة أيام» (٢) لا يوجب أن لا يحصل السفر في أقل من ثلاثة أيام. وأيضا الترجيح للإفطار لقوله صلىاللهعليهوسلم في قصر الصلاة «هذه صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته» (٣) وإنما قيل (أَوْ عَلى سَفَرٍ) دون أن يقول مسافرا كما قال (مَرِيضاً) لأن السفر يتعلق بقصده واختياره حتى لو عزم على الإقامة في منزل من المنازل لم يبق على قصد السفر ، فلا يصح الإفطار وإن كان مسافرا وهذا بخلاف المرض فإنه صفة قائمة به إن حصلت حصلت وإلا فلا.
وعدّة فعلة من العدّ بمعنى المعدود كالطحن بمعنى المطحون ، وعدة المرأة من هذا. وإنما قيل (فَعِدَّةٌ) على التنكير ولم يقل «فعدتها» أي فعدة الأيام المعدودات للعلم بأنه لا يؤثر عدد على عددها وأنه لا يأتي إلا بمثل ذلك العدد ظاهرا ، فأغنى ذلك عن
__________________
(١ ، ٢) رواه النسائي في كتاب الطهارة باب ٩٨. ابن ماجه في كتاب الطهارة باب ٨٦.
(٣) رواه مسلم في كتاب المسافرين حديث ٤. أبو داود في كتاب السفر باب ١. الترمذي في كتاب تفسير سورة النساء باب ٢٠. النسائي في كتاب الخوف باب ١. ابن ماجه في كتاب الإقامة باب ٧٣.