منبه على ما قلنا ، فإنه صلىاللهعليهوسلم علقهم بين الأمرين ، رهبهم بسابق القدر ثم رغبهم في العمل ولم يترك أحد الأمرين للآخر فقال : كل ميسر لما خلق له. يريد أنه ميسر في أيام حياته للعمل الذي سبق به القدر قبل وجوده إلا أنك تحب أن تعرف الفرق بين الميسر والمسخر كيلا تغرق في لجة القضاء والقدر ، وكذا القول في باب الرزق والكسب. والحاصل أن الأسباب والوسائط والروابط معتبرة في جميع أمور هذا العالم. ومن جملة الوسائل في قضاء الأوطار الدعاء والالتماس كما في الشاهد. فلعل الله تعالى قد جعل دعاء العبد سببا لبعض مناجحه. فإذا كان كذلك فلابد أن يدعو حتى يصل إلى مطلوبه ، ولم يكن شيء من ذلك خارجا عن قانون القضاء السابق وناسخا للكتاب المسطور. ومن فوائد الدعاء إظهار شعار الذل والانكسار ، والإقرار بسمة العجز والافتقار ، وتصحيح نسبة العبودية ، والانغماس في غمرات النقصان الإمكاني ، والإفلاس عن ذروة الترفع ، والاستغناء إلى حضيض الاستكانة ، والحاجة والفاقة ، ولهذا ورد «من لم يسأل الله يغضب عليه» (١) فإذا كان الداعي عارفا بالله تعالى وعالما بأنه لا يفعل إلا ما وافق مشيئته وسبق به قضاؤه وقدره ، ودعا على النمط المذكور من غير أن يكون في دعائه حظ من حظوظ النفس الأمارة ، راجيا فيما عند الله من الخير ، خائفا من الإقدام على موقف المسألة والمناجاة ، وأن تكون استجابته صورة الاستدراج ، كان دعاؤه خليقا بالإجابة وجديرا بالقبول وأن تعود بركته عليه قال صلىاللهعليهوسلم «ما من رجل يدعو الله بدعاء إلا استجيب له. فإذا أن يعجل له في الدنيا ، وإما أن يدخر له في الآخرة وإما أن يكفر عنه من ذنوبه بقدر ما دعا ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم أو يستعجل» قالوا يا رسول الله وكيف يستعجل؟ قال : «يقول دعوت ربي فما استجاب لي» (٢) وأما هيئة الداعي فعن أبي هريرة رضياللهعنه أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال «ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه» (٣) وعن ابن عباس أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «سلوا الله ببطون أكفكم ولا تسألوه بظهورها فإذا فرغتم فامسحوا بها وجوهكم» (٤) وأما شرائط الدعاء فمنها بعد ما مر من الإخلاص وغيره
__________________
(١) رواه أحمد في مسنده (٢ / ٤٤٣ ، ٤٧٧). ابن ماجه في كتاب الدعاء باب ١. بلفظ «من لم يدع .. ...».
(٢) رواه الترمذي في كتاب الدعوات باب ١١٤. الموطأ في كتاب القرآن حديث ٣٦. أحمد في مسنده (٢ / ٤٤٨).
(٣) رواه الترمذي في كتاب الدعوات باب ٦٥. أحمد في مسنده (٢ / ١٧).
(٤) رواه أبو داود في كتاب الوتر باب ٢٣.