القمر حيث سمى عوده من كل تشكل إلى مثله ولا سيما من الهلالية إلى مثلها شهرا وبذلك قدر السنون ، وضبطت الأوقات والفصول فلن يمكنه جحود فائدته على تقدير وجود ، ولو لم يكن في الإظهار رسمة الحدوث والإمكان والزوال والنقصان في الفلكيات حتى لا يظن بها وجوب الوجود ، أو الاشتراك في القدم مع مفيض الخير والجود ، أو امتناع الخرق والالتئام كما ذهب إلى كل من ذلك طائفة من اللئام لكفى به تنبيها وعناية وإرشادا وهداية إلى افتقار الفلكيات إلى فاعل مختار ومدبر قهار جاعل الظلم والأنوار ، ومصير الأهلة والأقمار ، وفي إفراد الحج بالذكر مع أن الأهلة مواقيت عبادات أخر كالصوم والزكاة إشارة إلى أن الحج مقصور على الأشهر التي عينها الله تعالى له ، وأنه لا يجوز نقل الحج عن تلك الأشهر إلى شهر آخر كما كانت العرب تفعل ذلك في النسيء. ويمكن أن يقال : توقف الصوم على الهلال قد علم من قوله (شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) [البقرة : ١٨٤] والزكاة تتعلق بالحول. والأصل في تقدير السنين لعودة الشمس من نقطة كأول الحمل مثلا إلى مثلها بحركتها الخاصة ، والأيمان والجهاد لا يتعلقان بوقت معين ، والصلاة تتعلق باليوم بليلته ، فلم يبق من الأركان المتعلقة بالشهر سوى الحج فتعين ذكره في هذه الآية والله أعلم.
قوله تعالى عز من قائل (وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ) عن البراء قال : نزلت هذه الآية فينا. كانت الأنصار إذا حجوا فجاؤا لم يدخلوا من قبل أبواب البيوت فجاء رجل من الأنصار فدخل من قبل بابه فكأنه عير بذلك فنزلت وفي رواية كانوا إذا أحرموا في الجاهلية أتوا البيت من ظهره فأنزل الله الآية. والحاصل أن ناسا من الأنصار كانوا إذا أحرموا لم يدخل أحد منهم حائطا ولا دارا ولا فسطاطا من باب فإن كان من أهل الوبر خرج من خلف الخباء. فقيل لهم : ليس البر بتحرجكم من دخول الباب تشديدا لأمر الإحرام (وَلكِنَّ الْبِرَّ) بر (مَنِ اتَّقى) ولكن ذا البر من اتقى مخالفة الله. وقيل : إن الحمس وهم قريش وكنانة وخزاعة وثقيف وجشم وبنو عامر بن صعصعة سموا حمسا لتشددهم في دينهم والحماسة الشدة. كانوا إذا أحرموا لم يدخلوا بيوتهم البتة ، ولم يجلسوا تحت سقف البيت ، ولم يستظلوا الوبر ، ولم يأكلوا السمن والأقط. وعن الحسن والأصم : كان الرجل في الجاهلية إذا هم فتعسر عليه مطلوبه لم يدخل بيته من بابه بل يأتيه من خلفه ، ويبقى على هذه الحالة حولا كاملا فنهاهم الله تعالى عن ذلك لأنهم كانوا يفعلونه تطيرا. وأما وجه اتصال هذا الكلام بما قبله بناء على الأسباب المروية في نزوله وعليه أكثر المفسرين ، فهو أنهم لما سألوا عن الحكمة في اختلاف حال الأهلة قيل لهم : اتركوا