كانت ، اقتص منه بأن يهتك له حرمة. والحرمات الشهر الحرام والبيت الحرام والإحرام ، فلما أضاعوا هذه الحرمات في سنة ست فقد وفقتكم حتى قضيتموها على رغمهم في سنة سبع ، وإن أقدموا على مقاتلتكم فقد أذنت لكم في قتالهم فافعلوا بهم مثل ما فعلوا ولا تبالوا. ثم أكد ذلك بقوله : (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ) حين تنتصرون ممن اعتدى عليكم حتى لا تعتدوا إلى ما لا يحل لكم (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) بالنصر والتأييد والتقوية والتسديد ، فإن الاستصحاب بالعلم أو بالمكان إن جاز شامل للمتقين وغيرهم. قوله عز من قائل (وَأَنْفِقُوا*) وجه اتصاله بما قبله أنه تعالى لما أمر بالقتال وأنه يفتقر إلى العدد والعدد قد يكون ذو المال عاجزا عن القتال ، وقد يكون القوي على القتال عديم المال فلهذا أمر الله الأغنياء بالإنفاق في سبيله إعدادا للرجال وتجهيزا للأبطال ويروى أنه لما نزل (الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ) قال رجل من الحاضرين : والله يا رسول الله ما لنا زاد وليس أحد يطعمنا. فأمر صلىاللهعليهوسلم أن ينفقوا في سبيل الله وأن يتصدقوا وأن لا يكفوا أيديهم عن الصدقة ولو بشق تمرة ولو بمشقص يحمل في سبيل الله فيهلكوا فنزلت هذه الآية على وفق قول الرسول صلىاللهعليهوسلم. والإنفاق صرف المال في وجوه المصالح. فلا يقال للمضيع : إنه منفق وإنما يقال : مبذر. وسبيل الله دينه فيشمل الإنفاق فيه الإنفاق في الحج والعمرة والجهاد والتجهيز والإنفاق في صلة الرحم وفي الصدقات أو على العيال أو في الزكاة والكفارات أو في عمارة بقاع الخير وغير ذلك. الأقرب في هذه الآية. وقد تقدم ذكر القتال. أن يراد به الإنفاق في الجهاد ، ولكنه تعالى عبر عنه بقوله (فِي سَبِيلِ اللهِ) ليكون كالتنبيه على السبب في وجوب هذا الإنفاق. فالمال مال الله فيجب إنفاقه في سبيل الله ، ولأن المؤمن إذا سمع ذكر الله اهتز نفسه ونشط وهان عليه ما دعي إليه. والباء في (بِأَيْدِيكُمْ) مزيدة مثلها في «أعطى بيده للمنقاد» والمعنى : ولا تقبضوا التهلكة أيديكم أي لا تجعلوها آخذة بأيديكم مالكة لكم. وقيل : الأيدي الأنفس كقوله : (فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) [الشورى : ٣٠] (بِما قَدَّمَتْ يَداكَ) [الأنفال : ٥١] أي لا تلقوا أنفسكم إلى التهلكة. وقيل : بل هاهنا حذف أي لا تلقوا أنفسكم بأيديكم إلى التهلكة كما يقال «أهلك فلان نفسه بيده» إذا تسبب لهلاكها. عن أبي عبيدة والزجاج : إن التهلكة والهلاك والهلك واحد. لم يوجد مصدر على تفعلة بضم العين سوى هذا ، إلا ما حكاه سيبويه من قولهم «التضرة» «والتسرة» ونحوها في الأعيان «التنضبة» لشجر و «التتفلة» لولد الثعلب. ويجوز أن يقال : أصلها التهلكة بالكسر كالتجربة والتبصرة على أنها مصدر من هلك مشدد العين ، فأبدلت من الكسرة ضمة كما جاء الجوار في الجوار. وليس الغرض