له في الجاهلية : لم لا تشرب الخمر فإنها تزيد في جرأتك؟ فقال : ما أنا بآخذ جهلي بيدي فأدخله في جوفي ولا أرضى أن أصبح سيد قوم وأمسي سفيههم ، ومن خواصها أن الإنسان كلما كان اشتغاله بها أكثر كان الميل إليها أتم ، وقوة النفس عليها أقوى. بخلاف سائر المعاصي كالزنا وغيره ، وكفى بقوله (إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاةِ) [المائدة : ٩٠] وبقوله صلىاللهعليهوسلم «الخمر أم الخبائث» (١) ذما لها وتقريرا لإثم شاربها. وقد لعن رسول الله صلىاللهعليهوسلم بسبب الخمر عشرة. وقال صلىاللهعليهوسلم : «كل مسكر حرام» (٢) «وإن على الله عهدا لمن يشرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال قالوا يا رسول الله وما طينة الخبال؟ قال : عرق أهل النار أو عصارة أهل النار» (٣) وكذا الكلام في الميسر مع أن فيه أكل الأموال بالباطل. وأما المنافع المذكورة فهي أنهم كانوا يغالون بها إذا جلبوها من النواحي ، وكان المشتري إذا ترك المماكسة في الثمن يعدّ ذلك فضيلة ومكرمة ، وكان يكثر أرباحهم بذلك السبب قال أبو محجن : أقومها زقا يحق بذا كم يساق إلينا تجرها ونسوقها.
قال أبقراط : في الخمر عشر منافع. خمس جسمانية وخمس نفسانية. فالجسمانية أنها تجوّد الهضم وتدرّ البول وتحسن البشرة وتطيب النكهة وتزيد في الباه. والنفسانية أنها تسر النفس وتقرب الأمل وتشجع النفس وتحسن الخلق وتزيل البخل. ومن منافع الميسر التوسعة على ذوي الحاجات لأنهم كانوا يفرقونه على المساكين فيكتسبون به الثناء والمدح. ولا ريب أن منافع الخمر والميسر لكونها مظنونة عاجلة أقل من إثمهما لكونه متيقن. الحساب الدائم العذاب ، والعاقل لا يختار النفع القليل الزائل بعقاب أبدي لا نهاية له.
الحكم الرابع : (وَيَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ) وقد تقدم ذكر هذا السؤال وأجيب عنه بذكر المصرف وأعيد هنا فأجيب بذكر الكمية. وذلك أن الناس لما رأوا الله ورسوله يحضان على الإنفاق وينبهان على عظم ثوابه ، سألوا عن مقدار ما كلفوا به هل هو كل المال أو بعضه؟ ومعنى العفو ما تيسر وسهل مما يكون فاضلا عن الكفاية. ويشبه أن يكون العفو عن الذنب راجعا إلى التيسير والتسهيل. ويقال للأرض السهلة : العفو. ومن
__________________
(١) رواه النسائي في كتاب الأشربة باب ٤٤.
(٢) رواه مسلم في كتاب الأشربة حديث ٧٣. أبو داود في كتاب الأشربة باب ٥. الترمذي في كتاب الأشربة باب ١. ابن ماجه في كتاب الأشربة باب ٩. أحمد في مسنده (٢ / ١٦ ، ٢٩).
(٣) رواه مسلم في كتاب الأشربة حديث ٧٢. أبو داود في كتاب الأشربة باب ٥. النسائي في كتاب الأشربة باب ٤٥. أحمد في مسنده (٢ / ١٧٨).