لنفسه ولليتيم في ماله ونفسه. (وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ) أي فهم إخوانكم في الإسلام ، والمخالطة جمع يتعذر فيه التمييز. قيل : المراد وإن تخالطوهم في الطعام والشراب والمسكن والخدم بما لا يتضمن إفساد أموالهم فذلك جائز كما يفعله المرء بمال ولده ومع إخوانه في الدين ، فإن هذا أدخل في حسن العشرة والمؤالفة. وقيل : المراد بهذه المخالطة أخذ مقدار أجرة المثل في ذلك العمل ، وسنشرح المذاهب في ذلك إن شاء الله تعالى إذا انتهينا إلى تفسير قوله تعالى (وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ) [النساء : ٦] وقيل : المراد أن يخالطوا أموال اليتامى بأموالهم وأنفسهم على سبيل الشركة بشرط رعاية جهات المصلحة والغبطة للصبي وحمل بعضهم المخالطة على المصاهرة واختاره أبو مسلم ، لأن هذا خلط اليتيم نفسه والشركة خلط لماله. وأيضا الشركة داخلة في قوله (قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ) والخلط من جهة النكاح وتزويج البنات منهم لم يدخل في ذلك ، فحمل الكلام على هذا الخلط أقرب. وأيضا إنه تعالى قال بعد هذه الآية (وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَ) فكان المعنى إن المخالطة المندوب إليها إنما هي في اليتامى الذين هم لكم إخوان في الإسلام لتتأكد الألفة بالمناكحة ، فإن كان اليتيم من المشركين فلا تفعلوا ذلك (وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ) لأمورهم (مِنَ الْمُصْلِحِ) لها ، أو يعلم ضمائر من أراد الإفساد والطمع في مالهم بالنكاح من المصلح فيجازيه على حسب غرضه ومقصده ، فأحذروه ولا تتحروا غير الإصلاح ، وفيه تهديد عظيم فكأنه قال : أنا المتكفل بالحقيقة لأمر اليتيم ، وأنا المطالب لوليه إن قصر. (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَأَعْنَتَكُمْ) لحملكم على العنت وهو المشقة بأن ضيق عليكم طريق المخالطة معهم. وعن ابن عباس : لو شاء الله لجعل ما أصبتم من أموال اليتامى موبقا. وذلك أنهم كانوا في الجاهلية قد اعتادوا الانتفاع بأموال اليتامى وربما تزوجوا باليتيمة طمعا في مالها ، أو يزوجها من ابن له كيلا يخرج مالها من يده. وقد يستدل بالآية على أنه تعالى لا يكلف العبد ما لا يقدر عليه وعلى أنه تعالى قادر على خلاف العدل لأنه لو امتنع وصفه بالقدرة على الإعنات ما جاز أن يقول «ولو شاء لأعنت» ولهذا قال : (إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ) غالب يقدر على أن يعنت عباده ويحرجهم ولكنه (حَكِيمٌ) لا يكلف إلا ما يتسع فيه طاقتهم.
الحكم السادس : (وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ) أكثر المفسرين على أن هذه الآية ابتداء شرع وحكم آخر في بيان ما يحل ويحرم. وعن أبي مسلم : أنه متعلق بقصة اليتامى ترغيبا في مخالطتهنّ دون مخالطة المشركات. عن ابن عباس : أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم بعث مرثد بن أبي مرثد الغنوي ـ وكان حليفا لبني هاشم ـ إلى مكة ليخرج منها ناسا من المسلمين ، وكان