«فلان عرضة دون الخير». وذلك أن الرجل كان يحلف على بعض الخيرات من صلة لرحم أو إصلاح أو إحسان أو عبادة ثم يقول : أخاف الله أن أحنث في يميني. فيترك البر إرادة البر في يمينه فقيل : (وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ) أي حاجزا لما حلفتم عليه. وسمي المحلوف عليه يمينا لتلبسه باليمين كما قال النبي صلىاللهعليهوسلم لعبد الرحمن بن سمرة : «إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فأت الذي هو خير وكفر عن يمينك» (١) أي على شيء مما يحلف عليه. فيكون قوله (أَنْ تَبَرُّوا) عطف بيان (لِأَيْمانِكُمْ) أي للأمور المحلوف عليها التي هي البر والتقوى أو الإصلاح بين الناس ، وعلى هذا فاللام في (لِأَيْمانِكُمْ) إما أن تتعلق بالفعل أي ولا تجعلوا الله لأيمانكم برزخا وحاجزا ، وإما أن تتعلق بـ (عُرْضَةً) لما فيها من معنى الاعتراض بمعنى لا تجعلوا شيئا يعترض البر. ويجوز أن تكون اللام للتعليل ويتعلق (أَنْ تَبَرُّوا) بالعرضة أي لا تجعلوا الله لأجل أيمانكم به عرضة لأن تبروا (وَاللهُ سَمِيعٌ) إن حلفتم به (عَلِيمٌ) بنياتكم إن تركتم الحلف إجلالا لذكره ، واليمين في الأصل عبارة عن القوة فسمي الحلف بذلك لأن المقصود بها تقوية جانب البر على جانب الحنث. اللغو الساقط الذي لا يعتد به من كلام وغيره ولهذا قيل : لما لا يعتد به ولا يخطر من أولاد الإبل في الدية «لغو» وهو في الأصل مصدر لغا يلغو. قال صلىاللهعليهوسلم : «من قال يوم الجمعة لصاحبه صه والإمام يخطب فقد لغا» (٢) واختلف الفقهاء في اللغو من اليمين فذهب الشافعي ـ وهو قول عائشة والشعبي وعكرمة ـ أنه قول العرب «لا والله» و «بلى والله» مما يؤكدون به كلامهم ولا يخطر ببالهم الحلف. فلو قيل لواحد منهم : سمعتك اليوم تحلف في المسجد الحرام لا ننكر ذلك ولعله قال : لا والله ألف مرة. ومذهب أبي حنيفة وهو قول ابن عباس والحسن ومجاهد والنخعي والزهري وسليمان بن يسار وقتادة والسدي ومكحول ـ أن اللغو هو أن يحلف على شيء يعتقد أنه كان ثم بان أنه لم يكن. وفائدة الخلاف أن الشافعي لا يوجب الكفارة في قول الرجل «لا والله» و «بلى والله» ويوجبها فيما إذا حلف على شيء يعتقد أنه كان ثم بان أنه لم يكن ، وأبو حنيفة يحكم بالضد من ذلك. حجة الشافعي أن الآية تدل على أن لغو اليمين كالمقابل المضاد لما يحصل بسبب كسب القلب ، لكن المراد من قوله (بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ) هو الذي يقصده الإنسان على سبيل
__________________
(١) رواه البخاري في كتاب الأيمان باب ١ ، ٨٣ وكتاب الكفارات باب ١٠. مسلم في كتاب الأيمان حديث ١٩. أبو داود في كتاب الأيمان باب ١٢ ، ١٤. الترمذي في النذور باب ٥. النسائي في كتاب الأيمان باب ١٥ ، ١٦. ابن ماجه في كتاب الكفارات باب ٧.
(٢) رواه أبو داود في كتاب الصلاة باب ٢٠٣. النسائي في كتاب الجمعة باب ٢٢. أحمد في مسنده (٢ / ٤٧٤).