الركن الرابع : المدة. فعن ابن عباس أنه لا يكون موليا حتى يحلف أن لا يطأها أبدا ، وعن الحسن وإسحق أنه مول وإن حلف يوما. وهذان المذهبان في غاية البعد. وعن أبي حنيفة والثوري أنه لا يكون موليا حتى يحلف على أن لا يطأها أربعة أشهر أو فيما زاد. وعن مالك وأحمد والشافعي أنه لا يكون موليا حتى تزيد المدة على أربعة أشهر. فعند الشافعي إذا آلى منها أكثر من أربعة أشهر أجل لأربعة أشهر. وهذه المدة تكون حقا للزوج فإذا مضت طالبت المرأة الزوج بالفيئة أو الطلاق ، فإن امتنع الزوج منهما طلقها الحاكم عليه. وعند أبي حنيفة إذا مضت أربعة أشهر يقع الطلاق بنفسه ، حجة الشافعي أن الفاء في قوله (فَإِنْ فاؤُ) تقتضي كون ما بعدها من حكمي الفيئة والطلاق مشروعا متراخيا عن انقضاء الأشهر الأربعة. وأيضا قوله (وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) صريح في أن وقوع الطلاق وإنما يكون بإيقاع الزوج ، وفي أن الزوج لا بد أن يصدر عنه شيء يكون مسموعا وما ذاك إلا إيقاع الطلاق. أجاب أبو حنيفة بأن قوله (فَإِنْ فاؤُ) تفصيل للحكم المتقدم كما تقول : «أنا نزيلكم هذا الشهر. فإن حمدتكم أقمت عندكم إلى آخره وإلا لم أقم وأتحول» وأيضا الإيلاء طلاق في نفسه ، فالطلاق إشارة إليه. وأيضا الغالب أن العازم للطلاق والضرار وترك الفيئة لا يخلو من مقاولة ودمدمة وحديث نفس ، فذلك الذي يسمعه الله كما يسمع وسوسة الشيطان. واستدل على صحة مذهبه في أن الفيئة لا بد أن تقع في الأشهر بقراءة عبد الله بن مسعود فإن فاؤا فيهن ورد بأنها شاذة فلا معول عليها والرجوع إلى الحق أولى الله حسبي.
التأويل : كما أن النساء محيضا في الظاهر وهو سبب نقصان إيمانهن يمنعهن عن الصلاة والصيام فكذا للرجال محيض في الباطن وهو سبب نقصان إيمانهم يمنعهم عن حقيقة الصلاة وهي المناجاة ، وعن حقيقة الصوم وهي الإمساك عن مشتهيات النفوس. وكما أن المحيض هو غلبة الدم فكذلك الهوى هو غلبة دواعي الصفات البشرية والحاجات الإنسانية ، فكلما غلب الهوى تكدر الصفا وحصل الأذى. وقد قيل : قطرة من الهوى تكدر بحرا من الصفا. ولذلك نودي من سرادقات الجلال : يا قلوب الرجال اعتزلوا نساء النفوس في محيض غلبات الهوى (حَتَّى يَطْهُرْنَ) يفرغن من قضاء الحوائج الضرورية للإنسان من المأكول والمشروب والمنكوح (فَإِذا تَطَهَّرْنَ) بماء التوبة والإنابة ورجعن إلى الحضرة في طلب القربة (فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ) يعني عند ظهور شواهد الحق لزهوق باطل النفس واضمحلال هواها (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ) عن أوصاف الوجود (وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) بأخلاق المعبود بل يحب التوابين عن بقاء الوجود ويحب المتطهرين