ببقاء الشهود (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ) الرجال البالغون الواصلون إلى عالم الحقيقة المتصرفون فيما سوى الله بتصرف الحقّ فهم رجال وما دون الله نساؤهم وهم الأنبياء والأولياء القائمون بالله الداعون إلى الله بإذنه. فكما أن الدنيا مزرعة الآخرة لقوم ، فالدنيا والآخرة مزرعتهم ومحرثهم يحرثون فيها أنى شاءوا وكيف شاءوا (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) [التكوير : ٢٩] فقد فنيت مشيئتهم في مشيئته تعالى وبقيت قدرة تصرفهم بتقويته (لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ) القلب كالأرض للزراعة ، والجوارح كآلات الحراثة ، والأعمال والأقوال كالبذر. فالبذر ما لم يقع في الأرض المرتبة للزراعة لا ينبت وإن كان فيها آلة من آلات الحراثة. أما إن كان لما يجري على الظواهر من الخبر أدنى أثر في القلب ولو كان مثقال ذرة فإن الله تعالى من كمال فضله وكرمه لا يضيعه بل يضاعفه ، وإن كان ما يجري عليه في الظاهر شرا فإن لم يكن له أثر في القلب كان لغوا ولا يؤاخذه ، وإن كان له أثر في القلب فهو بصدد المؤاخذة وإن شاء الله غفره. (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ) من وقع له من أهل القصد وقفة أو فترة في أثناء السلوك من ملالة النفس أو نفرة الطبع فعلى الشيخ والأصحاب أن لا يفارقوه في الحقيقة ويعاونوه بالهمم العلية ويتربصوا أربعة أشهر للرجوع لأن هذه مدة تعلق الروح بالجنين كما جاء في الحديث «إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوما نطفة ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك» (١) إلى آخره (فَإِنْ فاؤُ) الفيئة إلى صدق الطلب ورعاية حق الصحبة ونفخ فيه روح الإرادة مرة أخرى لا حظوه معين القبول ، فإن هذا ربيع لا يرعاه إلا المهزولون ، وربع لا يسكنه إلا المعزولون ، بل شراب لا يذوقه إلا العارفون ، وغناء لا يطرب عليه إلا العاشقون (وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ) لعزمه على طلاق منكوحة المواصلة (فَإِنَّ اللهَ سَمِيعٌ) لمقالتهم (عَلِيمٌ) بحالتهم وهو حسبي.
(وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٢٨) الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاَّ أَنْ يَخافا أَلاَّ يُقِيما حُدُودَ اللهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيما حُدُودَ اللهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلا تَعْتَدُوها وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٢٢٩) فَإِنْ طَلَّقَها
__________________
(١) رواه البخاري في كتاب بدء الخلق باب ٦. مسلم في كتاب القدر حديث ١. أبو داود في كتاب السنّة باب ١٦. الترمذي في كتاب القدر باب ٤. ابن ماجه في كتاب المقدمة باب ١٠. أحمد في مسنده (١ / ٣٨٢ ، ٤١٤).