يطلقها وإذا طلقها راجعها شاءت المرأة أم أبت ولا قدرة للمرأة على التطليق ولا على الرجعة فإذن المرأة كالأسير العاجز في يد الرجل ولهذا قال صلىاللهعليهوسلم : «استوصوا بالنساء خيرا فإنهن عندكم عوان» (١) وفي خبر آخر «اتقوا الله الضعيفين اليتيم والمرأة» وذلك أن من كانت نعمة الله عليه أكثر كان صدور الذنب عنه أقبح ، واستحقاقه للزجر أشد ، وقيل : بل الغرض من الآية أن فوائد الزوجية هي السكن والازدواج والألفة والمودة واشتباك الأنساب واستكثار الأعوان والأحباب وحصول اللذة ، وكل ذلك مشترك بين الجانبين ، بل يمكن أن يقال : نصيب المرأة منها أوفر. ثم إن الزوج اختص بأنواع من الكلفة وهي التزام المهر والنفقة والذب عنها والقيام بمصالحها ، فيكون وجوب الخدمة على المرأة أشد رعاية لهذه الحقوق الزائدة فيكون هذا كقوله تعالى (الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ) [النساء : ٣٤] وعن النبي صلىاللهعليهوسلم «لو أمرت أحدا بالسجود لغير الله لأمرت المرأة بالسجود لزوجها» (٢) (وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) غالب لا يمنع مصيب في أفعاله ، وأحكامه لا يتطرق إليها احتمال العبث والسفه والغلط والباطل.
الحكم الثالث للطلاق : هو الطلاق الذي يثبت فيه الرجعة. وذلك أن الرجل في الجاهلية كان يطلق امرأته ثم يراجعها قبل أن تنقضي عدتها ، ولو طلقها ألف مرة كانت القدرة على المراجعة ثابتة له. فجاءت امرأة إلى عائشة فشكت أن زوجها يطلقها ويراجعها يضارها بذلك ، فذكرت عائشة ذلك لرسول الله صلىاللهعليهوسلم فنزل (الطَّلاقُ مَرَّتانِ) فعلى هذا تكون الآية متعلقة بما قبلها. والمعنى أن الطلاق الرجعي مرتان ولا رجعة بعد الثلاث. وهذا تفسير من جوز الجمع بين الطلقات الثلاث وهو مذهب الشافعي وهو أليق بنظم الكلام لأنه تعالى بيّن في الآية الأولى أن حق الرجعة ثابت للزوج ولم يذكر أن ذلك الحق ثابت دائما أو إلى غاية معينة فكان ذلك كالمجمل أو العام فيفتقر إلى مبين أو مخصص ، فذكر عقيبه أن الطلاق المعهود السابق الذي يثبت فيه للزوج حق الرجعة هو أن يوجد طلقتان فقط ، فإذا وصلت التطليقة إلى هذه الغاية بطل حق الرجعة. والطلاق بمعنى التطليق كالسلام بمعنى التسليم. وقيل : إن هذا كلام مبتدأ والمعنى : أن التطليق الشرعي تطليقة بعد تطليقة على التفريق دون الجمع والإرسال دفعة واحدة ولم يرد بالمرتين التثنية ولكن التكرير
__________________
(١) رواه البخاري في كتاب الأنبياء باب ١. مسلم في كتاب الرضاع حديث ٦٢. الترمذي في كتاب الرضاع باب ١١. ابن ماجه في كتاب النكاح باب ٣.
(٢) رواه ابن ماجه في كتاب النكاح باب ٤. أحمد في مسنده (٤ / ٣٨١).