والشعبي أنه غير واجب لأن الحديث يقتضي حل الإحداد لا وجوبه لكنه صلىاللهعليهوسلم قال : «المتوفى عنها زوجها لا تلبس المعصفر من الثياب ولا الممشقة ولا الحلي ولا تختضب ولا تكتحل» (١) والممشقة المصبوغة بالمشق وهو الطين الأحمر. وقد يحتج بقوله (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ) من قال : الكفار ليسوا مخاطبين بفروع الشرائع وإلا لم يخص الخطاب في (مِنْكُمْ) بالمؤمنين. والجواب إنما خصوا بالخطاب لأنهم هم العالمون بذلك كقوله تعالى (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها) [النازعات : ٤٥] مع أنه منذر للكل (لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً) [الفرقان : ١] (فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَ) إذا انقضت عدتهن (فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ) أيها الأولياء لأنهم الذين يتولون العقد ، أو أيها الحكام وصلحاء المسلمين لأنهن إذا تزوجن في مدة العدة وجب على كل أحد منعهن عن ذلك ، فإن عجز استعان بالسلطان وذلك لأن المقصود من هذه العدة الأمن من اشتمال فرجها على ماء زوجها الأول. وقيل : معناه لا جناح عليكم وعلى النساء فيما فعلن في أنفسهن من التعرض للخطاب بالتزين والتطيب ونحوهما مما تنفرد المرأة بفعله ، وفيه دليل على وجوب الإحداد بالمعروف بالوجه الذي يحسن عقلا وشرعا. وقد يحمل أصحاب أبي حنيفة الفعل هاهنا على التزويج فيستدلونه به على جواز النكاح بلا ولي. بعد تسليم أن المراد من الفعل هو التزويج أن الفعل قد يسند إلى المسبب مثل «بنى الأمير دارا» وقد تقدم في قوله (أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَ) [البقرة : ٢٣٢] ثم ختم الآية بالتهديد المشتمل على الوعيد فقال : (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ).
الحكم الرابع عشر : خطبة النساء وذلك قوله سبحانه (وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ) والتعريض ضد التصريح ومعناه أن تضمر كلامك كي يصلح للدلالة على المقصود وعلى غير المقصود إلا أن إشعاره بجانب المقصود أتم وأرجح ، ولهذا قد يقال : إنه سوق الكلام لموصوف غير مذكور كما يقول المحتاج : جئتك لأنظر إلى وجهك الكريم. ومنه قول الشاعر :
وحسبك بالتسليم مني تقاضيا
وأصله من عرض الشيء وهو جانبه كأنه يحوم حوله ولا يظهره ولهذا قيل : «إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب» (٢) وهو قسم من أقسام الكناية. والخطبة أصلها من الخطب
__________________
كتاب الطلاق باب ٤٣ ، ٤٦. الترمذي في كتاب الطلاق باب ١٨. النسائي في كتاب الطلاق باب ٥٨ ، ٥٩. ابن ماجه في كتاب الطلاق باب ٣٥. الدارمي في كتاب الطلاق باب ١٢.
(١) رواه النسائي في كتاب الطلاق باب ٦٥. أبو داود في كتاب الطلاق باب ٤٦. أحمد في مسنده (٦ / ٣٠٢).
(٢) رواه البخاري في كتاب الأدب باب ١١٦.